مدونة الدكتور أحمد بن سعيد بن خليفة البوسعيدي


علاقة الإنسان بالبيئة والكون من خلال القرآن الكريم

الدكتور أحمد بن سعيد بن خليفة البوسعيدي | DR. AHMED Said Khalifa AL-busaidi


08/10/2020 القراءات: 6886   الملف المرفق


إن الإنسان مخلوق ضعيف؛ لأنه قاصر الحواس، لذا فإننا نجد أنه محدود القدرات والمدارك، لذا فإن الله -تعالى- من رحمته بهذا الإنسان الذي خلقه ويعلم ضعفه ومحدودية قدراته، وضح له جميع ما يحتاج إليه من علوم ومعارف، وبين له سنن هذا الكون وعلاقاته، ليسير في هذه الحياة على بينة من أمره وفق الهدي الإلهي، فمن بداية خلقه بين له أسماء الموجودات، وعلمه ما يحتاج إليه، يقول تعالى: (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (البقرة: 31-33)، وتواصل هذا البيان الإلهي بإرسال الأنبياء والرسل وإنزال الكتب والصحف من الله إلى البشرية جمعاء على مختلف الأمكنة والأزمنة لتوضيح جميع ذلك إليها، وإخراجها من الظلمات بجميع أنواعها إلى النور الإلهي، يقول تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) (فاطر: 24-25)، ويقول: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة: 15-16)، ويقول أيضا: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء: 164-165).
إن علاقة الإنسان بالكون والبيئة تتضح من خلال العناصر التالية:
أولا: الله وحده خالق الكون ومدبر أمره بجميع مفرداته: فالله ¬-¬سبحانه وتعالى- بين في القرآن الكريم أنه هو الذي خلق هذا الكون وهو خالق هذه البيئة بجميع ما فيها من سماء وأرض وما يدب فيها من إنسان وحيوان وما ينبت فيها نبات وغيره، يقول تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الأنعام:101-102).
وهذا هو المرتكز الذي ينطلق منه الإنسان لمعرفة هذه العلاقة بينه وبين هذا الكون وهذه البيئة، وهو أن الله هو الذي خلقنا جميعا فنحن عبيد لله، منقادون لأمره، خاضعون لحكمه، وهذه الكون وهذه البيئة لا تتحرك إلا وفق الأمر الرباني، يقول الله -جل وعلا-: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) (يونس:31).
ومن هنا يتبين لنا أننا جميعا خلق الله، فالبيئة وجميع الموجودات فيها ليس لها إرادة مستقلة، وكذا الإنسان وكذا الكون بأسره، ومن الأدلة التي أوضحها القرآن لبيان ضعف الإنسان وقلة حيلته قول الله -جل جلاله-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:73-74).
إن الاعتقاد بأن الله هو المتفرد الوحيد في هذا الكون بالخلق والتدبير يسكن في قلب الإنسان الطمأنينة، ويجمع عقله وفكره وروحه لعبادة خالق هذا الكون بأسره، يقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (المؤمنون:91)، ويقول أيضا: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ) (المائدة:73) .
ثانيا: الكون والبيئة وجميع ما فيهما مسخر لخدمة هذا الإنسان: يقول الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الجاثية:12-13).
إن العقيدة الإسلامية تبين للإنسان أنه خليفة الله في أرضه، حيث يقوم بتنفيذ أمر الله في هذا الكون، لذا فإن الله سخر له جميع في هذا الكون لخدمته وإعانته على هذا التكليف الإلهي، فلا عداء بينه وبين هذا الكون، ولا تنافر ولا تنافس بينه وبين البيئة، ولا يوجد في الحقيقة صراع من أجل البقاء، ولا تحد للطبيعة.
ثالثا: توضيح آلية السير وطريق التعامل مع البيئة والكون بأسره: فالقرآن الكريم وضح لهذا الإنسان آلية سيره في هذه الأرض، وكيفية تعامله مع البيئة، وفق نظام دقيق من خلال الأحكام والتشريعات المختلفة التي كشف عنها القرآن، وبينتها السنة النبوية، وشرحها العلماء وتوسعوا في بيانها وتوضيحها، لتكون هذه النظم والقوانين واضحة للناس، ولا تترك لأهواء الناس ورغباتهم المختلفة.


علاقة الإنسان بالبيئة، علاقة الإنسان بالكون، تصور القرآن للإنسان والكون البيئة والعلاقة بينها.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع