اختلاف أنظار المجتهدين في النظر في النَّصوص الشرعية, وفهم مُرَاد الشارع منها, أمر مسلّم به لدى العقلاء؛ ولهذا فيستحيل منهم الاجتماع على رأي اجتهادي واحد؛ لأنه تأباه طبيعة الدِّين, وطبيعة اللغة, وطبيعة البشر, وطبيعة الكون والحياة, إذْ النصوص النبوية غير متساوية الدرجة في الصّحة والوضوح, والعقول التي تنظر فيها وتفسّرها كذلك مختلفة في قوة الاستنباط وضعفه, وفي إدراك الدلائل أو الجهل بها, وفي الغوص على المعاني أو الجمود على الألفاظ, وفي معرفة خفايا اللغة وبيانها؛ إذْ فيها ما يدلّ على المنطوق والمفهوم, والمطلق والمقيد, والعام والخاص والمشترك, والقطعي والمحتمل, ضف إلى ذلك تباين قدرات المجتهدين في تنزيل هذه النصوص على واقع الحياة, الذي يختلف من عصر لآخر, ومن بيئة لأخرى, والبشر في هذا كذلك متفاوتين؛ فلا بدّ إذًا من الاختلاف, وإلاَّ توقَّفت الحياة, وضاعت مصالح البشر, وأصبحوا في ضيق وحرج, وهذا مخالف لما جاءت من أجله الشريعة كما هو معلوم من الدين بالضرورة.