مدونة يحيى أحمد المرهبي


الوعي يبني الحاضر ويستشرف المستقبل

يحيى أحمد المرهبي | Yahya ahmed almerhbi


10/12/2021 القراءات: 1637  


جلست إمرأتان في إحدى الحدائق العامة ومع كل إمرأة ولدها، وكان هناك عامل نظافة يكنس الحديقة.
قالت إحداهما لولدها: إذا فشلت في دراستك فسوف يكون مصيرك مثل ذلك الرجل الذي يكنس القمامة.

أما الأخرى فقالت لولدها: إذا تفوقت في دراستك فسيكون بإمكانك أن تساعد هذا العامل ليحيا حياة أفضل.

اتفقت غايتاهما، وهي تحفيز ابنيهما للاجتهاد في الدراسة، ولكن إختلف الأسلوب.

الأولى إستخدمت عبارة سلبية “فشلت في دراستك"، ولم تكتف بذلك بل احتقرت عامل النظافة، فزرعت في قلب ولدها بذرة التكبر والغرور.

أما الثانية فاستخدمت عبارة إيجابية "تفوقت في دراستك”، ولم تكتف بذلك بل حثت ابنها أن يكون رحيما بغيره، ويفكر في تحسين أحوالهم، فزرعت في قلبه بذرة الرحمة واللين وحب الخير.

كثير من الآباء والأمهات والأساتذة، يطبقون مذهب المرأة الأولى، فيصنعون قنابل موقوتة، ما إن تصل إلى المكانة التي احتالت في الوصول إليها غالبا، إلا وتنفجر، فتتطاير شظاياها لتصيب كل المحيطين بها، والواقع يسوق لنا هذه النماذج ويظهرها للعلن، وربما يكون وضعنا الذي نحن فيه نتيجة لمثل هذه التعبئة المبكرة الخاطئة.

أما المرأة الأخرى فهي تنزع من ضمير صغيرها صاعق التفجير، وتفذف به بعيدا، كي تحافظ على إنسانية هذا الصغير، وتصنع منه ملاك رحمة في مقابل قيام الأخرى بصناعة شيطان في صورة إنسان، وقد يكون ما تقوم به الأم السلبية عن غير قصد أو بحسن نية، تدفعها عاطفة الأمومة لترى ابنها في المستقبل ملء السمع والبصر، ولكنها سلكت سبيل الهلاك أدركت ذلك أم لم تدركه، ولو كانت غايته نبيلة في رعاية مستقبل ابنها إلا أن الوسيلة تقلب الأمر رأسا على عقب، والغاية هنا لا تبرر الوسيلة، فالأهداف والغايات النبيلة لا يوصل إليها إلا بوسائل نبيلة أيضا.

أما المرأة الإيجابية - وقليلون من هم على شاكلتها - فقد سحبت البساط من تحت أقدام الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، من حنايا ولدها، عندما بذرت في ضمير صغيرها هذه البذور التي ستجني ثمارها اليانعة في المستقبل القريب والمتوسط، وسيسقي غيث حبها لصغيرها ونبل غايتها وسمو وسائلها في بنائه كل من يحالفهم الحظ ليلتقوا بهذا الإنسان (الملاك).

والمتأمل في حال الصغار يجزم جزما أكيدا أننا نصنع جنتنا أو جحيمنا المستقبلي بأيدينا، فصغار اليوم الذين يربيهم الكبار سيكونون كما تمت صياغتهم من الآن، ولهذا لا مجال أمامنا إلا أن نستثمر في أجيالنا القادمة كي نصنع مستقبلا مشرقا.

المعادلة صعبة، إذ كيف يمكن لهذا الجيل المحطم ممن صاروا في مصاف الأباء والأمهات والمعلمين، أن يصنعوا هذا الجيل المنشود. أقف في أحيان كثيرة متأملا، وأتساءل: من وكيف يمكن كسر هذه الحلقة والدائرة المغلقة التي نستنسخ بداخلها ذواتنا، فتتناسل أجيال أخذت جل سيئاتنا وفاقتنا في تفعيلها في حياتها، وهكذا يستمر الحال.

بمقدور الناس أن يتغير حالهم ووجه أوطانهم من خلال جيل واحد إذا أحسن تنشئته، ولكن أنى هذا؟! فكرة الثلج تتدحرج في منحدر سحيق وبسرعة كبيرة، ومع سرعتها تكبر وتكبر وتكبر، ومثلها عجلة الخير إن أحسنا دحرجتها، وحافظنا على استمرار دورانها إلى الأمام، إنه تحد صعب، لأن فيه إنقاذ وطن وبناء إنسانية.

والمؤسف المحزن أننا نقابل أشخاصا ونسمع من آخرين أن الحال سيتغير إلى الأحسن، فإذا رأيت الأفعال والتصرفات والمواقف تعجبت كثيرا، لأنها مناقضة تماما لما يأمل ويرجو، ومثال ذلك مثال من يقول لك أنه يريد الوصول إلى المشرق ثم تراه وقد أخذ وسلك طريق المغرب، ومع ذلك يصر بأنه سيصل إلى مبتغاه، وهذا وهم كبير يعيش فيه أغلب الناس.

انتبهوا لرسائلكم التي توجهونها لأبنائكم، ولغير أبنائكم، فهي تصنع وتشكل شخصياتهم وأخلاقهم وتوجهاتهم، فلكل كلمة قيمة إذا أحسنا صياغتها وأداءها، ولها ثمن باهض إن أسأنا صياغتها وأسأنا أداءها. قال جل ثناؤه: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها)، فهل بعد هذه القاعدة الربانية الصارمة كلام يقال؟


الوعي - الإيجابية - السلبية - التربية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


التربية في تعريفها المكثف هي فن تحويل القيم إلى سلوك.