مدونة د. عامر ممدوح


حدثني التاريخ فقال عن الفردوس المفقود !

د. عامر ممدوح | Dr. Aamer Mamdoh


02/01/2020 القراءات: 2505  



في كل عام .. نستذكر الأندلس بذات الطريقة ...
العاطفة تتملكنا ، والدموع تغرقنا ، والأسى على المجد الذي ضاع يزيد عجزنا !.

في ذكرى سقوط غرناطة ، وانهيار آخر حصون الأندلس بعد قرون الصبر والصمود ، نستمع لكل القصص والحكايات .. الا ما يقوله التاريخ نفسه !

نستغرق في سرد المأساة ، ولا نستجلي دروسها ، ونزيد من عمق الوجع ، ولا نعمل على ان يكون ذاته ترياقا لجراحاتنا التي نعيش آلامها في حاضرنا !! .

ولكنني وسط كل ذلك اردت أن استمع إلى حديث التاريخ نفسه ، الى ما وراء الحدث ، والى مكمن الخلل ، فهو السبيل ان اردنا الا تتكرر المأساة !

حدثني التاريخ ..فقال :
● ان الأندلس بقي وطنا قلق المهاد .. لا ينتهي إلى قرار ولا استقرار !
● وان في غرناطة انتهت كل تراكمات القرون التي مضت ، فالكل يتحمل المسؤولية منذ ان صاح اول صائح بدعوات القبلية في ارض الرباط والجهاد .. وحتى البكاء والعجز عن حفظ ما تبقى بعد ان ضاعت كل مفاتيح الحل وأسباب البقاء !.
● وأن المسلمين بذلوا أنفس ما يملكون للحفاظ على الأرض والوطن والكيان والانسان .. حتى اذا اغلقت كل منافذ الأمل شرعوا في توقيع عهد الاستسلام غافلين عن خصمهم الذي لم يعرف عهدا ولا وعد !
● وأن بذرة الخلاف التي زرعت مبكرة ظلت تكبر وتكبر حتى امتصت رحيق الانجاز ..مهما منحها الظهير المغربي القدرة على الاستمرار ..
● وان ثمة من اضعف الجسد الأندلسي من ابنائه ، حدث ذلك يوم نافس المسلم اخوه المسلم وبالعدو استعان !
● وأن العدو القابع وراء الحدود ، والمتربص بالارض السوء ، والرافع لراية ( الاسترداد ) لم يقف يوما عن العمل ليوم الانهيار التام .

يقول التاريخ :
يا بني !
هل رأيت دولة عانت مثل اندلسنا المفقود ؟!
وهل سمعت بجيران اعداء بقوا يقضمون الارض ولقرون حتى انتهوا الى الاستيلاء التام؟
وهل شهدت مثل هذا الحقد المقيت الذي أتى - من خلال محاكم تفتيشه - على الوجود بأكمله ، ولم يستثني حتى الصفحات والأوراق ؟!

يقول التاريخ :
هذه هي الحكاية ..
ان العدو لم يستطع قهرنا الا حين أضعفنا أنفسنا بانفسنا ..
وان احفاد الفاتحين ظلوا مهما غلبت بعضهم النزوات مخلصين عاملين للبقاء .
فاقرأوا ( نبذة العصر ) من اجل ذلك ، فهو شهادة احد الأبطال لآخر أيام المسلمين في اندلسنا .. وانظروا كيف غربت تلك الشمس الساطعة المبهرة .

واقرأوا جنة الرضى ..لتعلموا وتدركوا وتسلموا - بعد كل ما ترون - لما قدر الله وقضى !

ان حكاية الأندلس عميقة عمق القرون الثمانية التي توغلت في تلك الأرض القصية ..
وهي صاحبة الألف درس وألف ..
فهل نحن منصتون لدرسها ؟ وهل نحن مدركون لما يريد التاريخ لنا أن يقول ؟!


الأندلس ، غرناطة ، فلسفة التاريخ ، الاعتبار


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع