مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
اُقتُلْ عدوَّك بيدِ أخيه ..!
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
05/07/2020 القراءات: 4670
اُقتُلْ عدوَّك بيدِ أخيه ..!
أعداؤنا يفكرون وينظّرون ثم ينفّذون الحرب الذكية الخبيثة، ويقولون: اُقتُلْ عدوَّك بيدِ أخيه ..كيف!
أثناء الحرب على أفغانستان استطاعت أمريكا أن تطور نمط الحرب، فاستخدمت المجاهدين في حربها ضد السوفييت، وكان الأمريكان وعبر حلفائهم في الخليج؛ يحرضون الشباب على الجهاد ويمدونهم بالمال والسلاح ويحرضون الناس على التبرع لذلك .
وذكر (ستانسفيلد تيرنر، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية آنذاك) كيف عملت «سي آي إيه» على مضاعفة دعمها «للمجاهدين»، بعد أن أصدر لها الرئيس كارتر في الثالث من تموز 1979 توجيهاً رئاسياً لزيادة تمويلهم وتسليحهم، وتحفيزهم معنوياً تحت شعارات «الجهاد ضد الشيوعيين الملحدين الذين يريدون شراً بالإسلام في أفغانستان».
كان يومها من رأي مجلس الأمن القومي في اجتماعه، أنّ أمريكا تستطيع أن تزيد جرعات دعمها لميليشيات "المجاهدين"، وأن تحفزها دينياً «للجهاد - أكثر فأكثر - ضد الملحدين الذين يريدون شراً بالإسلام».
لقد وفرت أمريكا بيئة مساعدة إقليمياً وإسلامياً، وغطاء من الدعاية الإعلامية، ومدداً من المتطوعين الراغبين في الشهادة في سبيل الله، ورُزَماً من المال، وترسانات من السلاح، وقطف ثمار ذلك، نتائج رائعة لمصلحة أمريكا، فاستنزف السوفييت، دون أن تخسر هي شيئاً يذكر.
ولأجل تحقيق هذه الأهداف، قرر الرئيس الأميركي يومها إيفاد مستشاره للأمن القومي في «جولة مكوكية» إلى الشرق الأوسط لإقناع الحلفاء (من العرب والمسلمين) بمحاسن «الجهاد الإسلامي»، وبأهمية تمويل «المقاومة» وتسليحها، وبضرورة الوقوف كالبنيان المرصوص ضد دولة الاحتلال الروسي، وضد الكفار والملحدين الذين يريدون شراً بالإسلام وأهله، فسال المال سخياً من الخليج، وهكذا استخدم أعداؤنا الجهاد الإسلامي من أجل تحقيق مصالحهم، يعني أنهم لا يقتلوننا بأيدي إخوتنا فقط؛ بل بأيدينا وبأموالنا أيضاً..!
ويؤيد هذا ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي "موشيه يعالون":
"ليس من المتعة أو السياسة أن تقتل عدوك بيدك، فعندما يقتل عدوك نفسه أو بيد أخيه فإن المتعة أكبر ! وهذه سياستنا الجديدة: أن نشكل ميليشيات للعدو فيكون القاتل والمقتول من الأعداء".
عدوُّنا ربما لا يصنع أغرار المتحمّسين من المجاهدين، وانما يعرف كيف ومتى يستغلّهم؟ لتحقيق هدفه، إذن لا بد لنا أن نتعامل معهم ونقابلهم بالمثل من ذكاء شديد، وأن نخطط ونكسب المهارات، وأن نتعلم من الآخرين، فنحن لسنا في عنتريات؛ لقد مضى زمان عنترة، وعلينا أن نكون أمة راشدة؛ تأخذ بالأسباب والمسببات فهذه هي سنن الله ولا يحابي بها الباري أحداً أبداً.
في تاريخنا فوائد جمة في هذا الصدد، فالمسلم لا ينساق وراء وعود براقة من الأعداء، وهذا كعب بن مالك لما تخلّف عن غزوة تبوك، ومعه اثنان من الأنصار رضي الله عنهم هلال بن أمية ومَرارة بن الربيع، قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: لا تكلّموه، اُهجُروه.
يقول كعب بن مالك: وذات يوم وأنا جالس أتمشى في أزقة المدينة جاء رسول من الروم يسأل أين كعب بن مالك؟ وكعب شاعر معروف مشهور- قال أنا كعب بن مالك، قال: تعال أنا عندي لك رسالة فلما فتحها فإذا هي رسالة من ملك الروم: (فإنه قد بلغنا أن صاحبك قلاك وهجرك وأنت ما جعلك الله في دار هوان ومضيعة، إلحق بنا نواسك)، فقال كعب: فقلت هذا من البلاء، وأخذتها وسجرتها في التنور، حتى لا تراوده نفسه فيتراجع.
وصبر حتى جاءه البشير: أبشر بتوبة الله عليك ياكعب ونزل قوله تعالى: {لقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ. وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ} [اتوبة:117].
وهؤلاء الثلاثة هم: كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع. (خُلّفوا) يفهمها بعض الناس: أنهم تخلّفوا عن غزوة تبوك، وهذا خطأ، والصحيح أنها: (وعلى الثلاثة الذي خُلّفوا) أي أُرجئ أمر الله فيهم وتوبة الله عليهم حتى هذا اليوم بعد خمسين يوماً.
أما قتل المسلم للمسلم عمداً وبغير حق، فقد قال الله تعالى: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء: 93].
وحتى ابن آدم (قابيل) القاتل الأول الذي قتل أخاه (هابيل) كان بعد ممانعة، فقد تردّد قابيل مَليّاً في نفسه بين دافع الحَسد ودافع الخشية، وقد قيل: إنّه بقي زماناً يتربّص بأخيه،{ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [المائدة: 30].
فشُبّه الله تعالى قتل أخيه بشيء متعاص عن قابيل ولا يطيعه بسبب معارضة التعقّل والخشيةِ، ودلّت الفاء على التفريع والتعقيب (فَطَوَّعَتْ، فقتَلَه، فأصبح).
{فأصبح من الخاسرين} أي صار بذلك القتل ممّن خسر الآخرة، ويجوز إبقاء (أصبح) على ظاهرها، فتفيد أنّ القتل وقع في الصّباح، أي غدا خاسراً في الدّنيا والآخرة، والمراد بالخسارة في الدنيا ما يبدو على الجاني من الاضطراب وسوء الحالة وخيبة الرجاءَ.
فعلينا أن نكون مستبصرين، وحذرين من كيد الأعداء، وأن نراعي وضع الأمة وضعفها وما يكاد لها، ومن واجب المسلم تجاه إخوانه المسلمين في مثل بلادنا التي يكثر فيها القتل والهرج، وسفك الدماء، أن يدعو الله تعالى أن يؤلّف بينهم, ويجمع كلمتهم، ويرفع عنهم القتل والبلاء والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يردّ كيد أعداء الدين المتربصين بهم، وأن نمدَّ لهم يد العون إلى الصلح ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً .
اللهم احقن دماء المسلمين، وألِّف بين قلوبهم، ووحِّد كلمتهم وصفوفهم، وردَّهم إلى دينك ردّاً جميلاً يارب.
أمة راشدة، قابيل وهابيل، الهرج، بيد أخيه، الحرب الذكية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
اللهم آمين يا رب.
اللهم أميين احسنت وبارك الله فيك مقال اكثر من رائع سلمت يمناك 🌹