مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي
الدنيا دار ابتلاء والاخرة هي دار البقاء
د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a
18/03/2021 القراءات: 3416
في هذه الظروف الحالكة الملبدة بالغيوم والمنذرة بشر مستطير والتي تقف فيها البشرية مذهلة جمعاء على حافة الهلاك والدمار بعد ان استفحلت الامراض وانتشر الوباء والسلالات من الفايروسات المستجدة وهي أصغر مخلوقات الله وذلك ومن بعد ان دمرت النفس البشرية وحطمت فيها الفطرة الانسانية والتي اصبح الانسان يعاني فيها من الشقاء ويتحمل من الهموم والتبعات ما لم تتحمله الرواسي الشامخات فما هي الضالة المنشودة؟!
وسنرى أن نور الله تعالى سيبدد الظلام وسنرى الطريق الذي من يسلكه على بصيرة فلا يضل ولا يشقى فكان الكتاب المستبين ومعجزة الله الكبرى ودستور الإسلام ودليل الخلاص ودرب النجاة وسر العز والكرامة والذي سماه الله نورا يهدي الى سواء السبيل فقال تعالى في كتابه المبين ( يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلنا اليكم نورا مبينا) النساء/174
فالإيمان والطاعة لله والصبر يعدان مفتاح الفرج والضالة المنشودة لتكشف هذه الظروف التي نعيشها لان الحياة التي نحياها الان طالت ام قصرت ليست هي الغاية التي نبغاها ولا اليها المنتهى؟! فما هي الا محطة من المحطات الانتقالية ومرحلة انتقال الى الحياة السرمدية حياة البقاء والخلاص والخلود الابدي انتقال الى الدار الاخرة التي فيها الحياة الدائمة التي لا زوال لها ولا انقطاع ولا موت معها ولا عذاب فهي حياة مستمرة دائمة خالدة فكأنها في ذاتها حياة كما قال تعالى ( وإن الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) العنكبوت/64
والمقصود بالحيوان انه لشدة ما فيها من الحيوية والامتلاء فالحيوان هو مصدر حي وقياسه وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واوا وهو ابلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة وهو ما ذكر في كتاب الكشاف للزمخشري والذي يعد من اوسع كتب تفسير القرآن الكريم حظا واكثرها رواجا وهو قول باقي المفسرين ايضا فانه مصدر بمنزلة الحياة ويكون كالثوران والغليان ويكون التقدير وإن الدار الاخرة لهي الحياة لأنه لا تنغيص فيها ولا نفاد لها ولا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار من المصائب والابتلاءات والامراض والاوبئة كما ان قوله تعالى (لو كانوا يعلمون) أي يعلمون فناء الحياة الدنيا وبقاء الحياة الاخرة
فالحيوان والحياة بمعنى واحد وهو عند الخليل وسيبويه مصدر كالهيمان ونحوه وقال مجاهد وهو اصله حييان فبدلت احدهما واوا لاجتماع المثلين وكما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " ألا إن الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم " رواه الترمذي وابن ماجه
فكما ان حياة الارض بعد موتها تحيا بالمطر من عند الله فليعلموا ان حياة النفوس بعد موتها عند النشر والبعث بقدرة الله وحياة الاوقات بعد نفرتها وحياة القلوب بعد فترتها بماء الرحمة بالله تعالى
وقد روى القرطبي عن مالك بن دينار قوله لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والاخرة من زخرف يبقى لكان الواجب ان يؤثر خزف يبقى على ذهب يفنى فكيف والاخرة من ذهب يبقى والدنيا من زخرف يفنى ؟ !
ولكون الحياة الدنيا بهذه المثابة جاء التحذير الالهي منها والنهي عن ان تلهيهم في قوله تعالى (يا ايها الذين امنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) المنافقون/9
فالدار الاخر ليست مجرد حياة بل اكبر من ذلك لان حياتك الدنيا مؤقتة ومحددة والنعيم فيها على قدر الامكانيات والتصورات في حين ان الحياة الآخرة ممتدة وباقية والنعيم فيها ما لاعين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فهي على قدرة الله الخالق المنعم القادر المقتدر
فقوام الامر كله الطاعة فان استقامت في الانسان في دار الامتحان استقامت اموره كلها في دار الخلود والمعول عليه اذن انما هو الدار الآخرة فالإنسان في هذه الحياة الفانية انما يستصلح لتلك الدار الآخرة ويحصد ما زرعه في دنياه
فقد استخلف الله تعالى الانسان في هذه الارض ليعد ويصقل للخلود هناك في الآخرة ولا شيء يصقله ويهذبه ويعده مثل الابتلاء فهو البودقة التي تصهر فيها النفوس وتصفو فيها الروح فقد شاء الله ان يخلق الانسان نوعا مميزا عن غيره بما ركب فيه من عناصر مزدوجة يمكن ان تصعد به الى السماء وان تهبط به الى الارض ففيه الغرائز مجتمعة والشهوات وفيه العقل والادراك وفيه المادة والروح وقد دل على ذلك كون الانسان مسؤول ومبتلى وهذا هو السر في استعداده لحمل المسؤوليات الملقاة على كاهله ولتلقى على عاتقه امانة التكاليف الآلهية فقال تعالى( انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان)الاحزاب /72
فحري بنا ان نؤكد ان ما اوتي الانسان من نعم وزخارف ومتاع في الدنيا هي تحمل في طياتها ابتلاء له لبيان فعله هل يشكر ويطيع ام يكفر ويتمرد ؟
فالله الخالق انما خلق السماوات والارض وخلق الموت والحياة ليبتلي الخلق جميعا ويمتحنهم فجعل الدار الاولى دار عمل وابتلاء وفناء قال تعالى ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا)الملك/ 1-2
فالحياة الدنيا لا تعطي حصادها الا لمن يزرعها ويعمرها ويشقى فيها ويتعب ويبتلى فيها ويصمد على طاعة الله تعالى فلا يؤتى جناها الا لمن غرسها بالطاعة والعبادة ومرضاة الله ولا ينال المرء ما يحب الا بصبره على المكاره ولا يتحقق له امل يصبوا اليه الا بعد ان يجتاز الامتحانات تلو الامتحانات والمشقات والابتلاءات فلا يدرك المآل الكبيرة الا اولو العزم واصحاب النفوس الصابرة المحتسبة على الله قال تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) آل عمران/ 142
ونسجل من هذه القراءات دعوتنا الى ضرورة التحلي بالإيمان والطاعة لله وان يكون هذا العمل في ميزان حسناتنا وان يكون لنا صدقة جارية إلى يوم القيامة، فلله الحمد والمنة في الأول والأخر وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
( الحياة- الدنيا- دار ابتلاء -الاخرة- دار البقاء)
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع