مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي


بالعلم والاخلاق ترتقي الامم

د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a


01/02/2025 القراءات: 443  


بادي ذي بدء فإن العلم والأخلاق أساس تقدم البشرية وأهم ركائز المجتمعات فبهما ترتقي الأمم وتزدهر الشعوب والحضارات فالأخلاق تعد العنصر الأول للحكم على الناس فهي الأساس لتعاملات البشر جميعا وهي ما يميز الإنسان عن باقي المخلوقات فإذا تساءل أحدهم كيف ترتقي الامم؟فالجواب بتواضع أن الأخلاق هي النور لمصباح العلم فلا يوقد مصباح العلم بدون أخلاق فالعلم المقرون بالخلق الحسن هو أساس تطور الأفراد وتميزهم وبالمحصلة نمو مجتمعاتهم وتقدمها وازدهارها فإذا ما أقترن العلم بالخلق كان صاحب المهنة ناجحا في عمله صادقا في تعامله متميزا في مجاله لذا فقد أرتبط العلم بالأخلاق ارتباطا وثيقا فالعلم النافع لا يقوم إلا بأخلاق حميدة ولا ينتشر إلا بصفاتها النبيلة فالتلميذ مثلا يتعلم من معلمه الخلق قبل العلم ليكتمل في تكوينه الأدب ويترسخ في عقله العلم حين يراه قولا وفعلا والأخلاق هي فطرة الإنسان السليم الذي لا يتغير بانقضاء وقت أو تغير مكان لقول رسولنا الكريم"مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ...ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَأوا إِنْ شِئْتُمْ:فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ}الروم/30"رواه الشيخان
لذا فقد أهتم الإسلام بالأخلاق وجعلها أمر أساسي يحاسب عليه الإنسان في الدنيا والأخرة فصاحب الخلق الطيب والعلم ينال احترام ومحبة الأخرين ويبلغ بخلقه أرفع المنازل فما أعظم العلم وما أجمل الأخلاق الحسنة فإذا غابت الأخلاق وتخلى عنها الناس انتشرت الرذائل وانحدر العلم وتردت المعرفة وإن كانت عظيمة فساد الجهل بالمحصلة فالعلم بلا أخلاق كالسكين الحاد يؤذي صاحبه ومن حوله فإن لم يستخدم بتعقل وحكمة فيكون فيه هلاك وانحطاط ودمار لعقول البشروهناك دلائل على أهمية الخلق في الدين الإسلامي والأمر ذاته في جميع الأديان لأن الأخلاق أساس بقاء الأمم وبدونها تنهار لقوله تعالى(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)الإسراء/16فالأخلاق والعلم مترابطان يجعلون الإنسان ذا مكانة عالية ومرموقة مما يؤثر ذلك على المجتمع وتحسن سلوكه فصلاح الفرد من صلاح المجتمع لذا وجب علينا أن نجعل من الأخلاق مرآة لأعمالنا ومعارفنا يسير العقل والوجدان الذي ينسجم بفطرته مع الأخلاق سويا فالعلاقة بين العلم والأخلاق علاقة تكاملية فلا أثر طيب للعلم بدون أخلاق ولا أخلاق صحيحة من غير علم يبصر ويرشد فالعلم هو العين المبصرة للأخلاق والأخلاق هي الوعاء الحافظة والراعية للعلم قال تعالى(وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً)طه/114وقال أيضا(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)المجادلة/11وقال صلى الله عليه وسلم"من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله به طريقا الى الجنة"رواه أحمد والغاية من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم هو الدعوة إلى الإسلام والأخلاق فكان خلقه القرآن بل كان قرآنا يمشي على الارض لقوله"إنما بعثت معلما"رواه الدارمي ولقوله صلى الله عليه وسلم"إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق"رواه البيهقي وهذا وإن دل على شيء فإنما يدل على أهمية الأخلاق فبها يبين شخصية الإنسان وكيفية تعامله مع غيره من الناس فأجر الخلق الحسن كأجر العبادات الرئيسية كالصيام والقيام فهو إذن الطريق لدخول الجنة وقد وصفه الله بقوله(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)القلم/4قال أمير الشعراء:وإذا أصيب القوم في أخلاقهم- فأقم عليهم مأتما وعويلا وقال أيضا:إنما الأمم الأخلاق مابقيت-أذا ذهبت أخلاقهم ذهبوا وحقيقة فإن هذا البيت يلخص أهمية الأخلاق في كل الميادين فأخلاقيات المهنة ضرورية لتأطير العمل عندما تتجلى يصبح كل شيء مباح
وختاما يمكننا أن نخلص من قراءاتنا إلى أن العلم والأخلاق جناحان يحلق بهما الفرد والمجتمع على حد سواء فلا ينفع التحليق بأحدهما دون الأخر لأنهما علامة رقي الأمم والشعوب فبهما تبنى الحضارات وتزدهر وتعلو الأمم وترتقي فهما وجهان لعملة واحدة فالعلم النافع لا يقوم إلا بأخلاق حميدة فلا قيمة للعلم دون أخلاق فالعلم سلاح ذو حدين فإما أن تحرسه الأخلاق فيعمر وإما أن ينحرف به صاحبه فيدمر ويكون بالأمر الثاني وسيلة للفشل كما وإن الأخلاق تعد من أهم الفضائل فهي سر النجاح والتقدم للأمم والمجتمعات فبالعلم يدرك أقصى المجد من أمم ولا رقي بغير العلم للأمم فليس الجمال بأثواب تزيننا إنما الجمال جمال العلم والأدب فبالعلم تجذب العقول وبالأخلاق تجذب القلوب قبل النفوس والعلم يرفع بيتا لا عماد له والجهل يهدم بيت العز والكرم ومن يخشى السؤال يخجل من التعلم وما نتعلمه في المهد يبقى حتى اللحد وإلى الأزل فكلما كبرت السنبلة انحنت وكلما أزداد علم العالم تواضع فمن ذاق ظلمة الجهل أدرك أن العلم نور والعلم نقيض الجهل ولو كان العلم من دون التقى شرفا لكان أشرف خلق الله إبليس نسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والخلق الحسن اللهم وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما آمين يارب العالمين


(بالعلم والاخلاق ترتقي الامم)