البناء الحضاري والوظيفة التاريخية عند مالك بن نبي
هيبة بوربعين | wahiba bourabaine
05/07/2021 القراءات: 2886
يبدأ البناء الحضاري الصحيح بتصحيح المفاهيم الخاصة، والسائدة في علم الاجتماع، أو بالأصح علماء الإثنولوجيا بتحديد معنى المجتمع بالذات. فليس المجتمع كما يعرفه بعض الإثنولوجيين تجميعا لعدد من الناس، يعيشون كما يشاؤؤون مهما كانت الصلات بينهم.
"ليس هذا هو المجتمع، فهذا يمكن أن نسميه بقايا مجتمعات أو بداية مجتمعات قبل أن يقوم بوظيفتها التاريخية ...إن المجتمع الذي يقوم بوظيفته التاريخية هو الذي يقوم بوظيفته نحو الفرد، ويحقق راحته... هو بنيان وليس تكديسا ...هو بنيان فيه أشياء مقدسة، متفق عليه
"فكما أن النحلة لو انفصلت عن خليتها، ماتت فإن المصلحة التي تجمع وتنسق سلوك كل نحلة من الخلية لو انعدمت لسبب لا أعلمه، فإن الحياة ستتمزق، أي يضيع المجتمع، ويضيع أفراده.
لا يجوز –من هنا- في قاموس (مالك بن نبي) الوقوع في أخطاء الأنثولوجيين الغربيين عندما يسمون المجتمعات البدائية مجتمعات، أو الثقافة البدائية...أو حتى تسمية الحضارة البدائية... فهذه كلها خرافات اجتماعية.
لابد للمجتمع من هدف، من أجله يتكون بالمعنى و الإصطلاح الدقيقين، وبالنسبة للإنسان المسلم، سبق القرآن إلى تأكيد هذه الحقيقة بقوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ، وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ،وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ، وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين ﴾ ( سورة القصص،الآية 77).
أمام كل مجتمع غاية، فهو يندفع في تقدمه إما إلى الحضارة، أو إلى الانهيار وفي مقابل ذلك نجد أنه حينما تنعدم الحركة؛ فإن الجماعة الإنسانية تفقد تاريخها: إذ تصبح... ولا غاية لها. فهذا هو –في نهاية الأمر- المقياس الأساسي الذي يساعدنا على مواجهة مشكلة البناء الحضاري أو مشكلة ميلاد مجتمع.
وخلاصة القول : "إن الطبيعة توجد النوع، ولكن التاريخ يصنع المجتمع. وهدف الطبيعة هو مجرد المحافظة على البقاء، بينما غاية التاريخ أن يسير بركب التقدم نحو شكل من أشكال الحياة الراقية، هو ما نطلق عليه اسم الحضارة"
ليس المجتمع –إذن- مجرد كمية من الأفراد، إنما هو إشراك هؤلاء الأفراد في اتجاه واحد، من أجل القيام بوظيفة معينة ذات غاية.
ولكن كيف يتم ميلاد مجتمع؟ من خلال مبدإ الـتأثير في عوالم ثلاث:
أ. عالم الأشخاص. ب. عالم الأفكار. جـ. عالم الأشياء .
هذه العوامل الثلاثة لا تعمل متفرقة بل تتوافق في عمل مشترك، تأتي صورته طبقا لنماذج إيديولوجية من "عالم الأفكار"، يتم تنفيذها بوسائل من "عالم الأشياء" من أجل غاية يحددها "عالم الأشخاص".
فالعمل التاريخي -بالضرورة – من صنع الأشخاص و الأشياء معا، ومعنى هذا أنه لا يمكن أن يتم عمل تاريخي إذا لم تتوافر صلات ضرورية داخل العوالم الثلاثة لتربط أجزاءها في نطاقها الخاص، بين هذه العوامل، لتشكل كيانها العام، من أجل عمل مشترك.
" وكما أن وحدة العمل التاريخي ضرورة، فإن توافق هذه الوحدة مع الغاية منها، وهي التي تتجسم في صورة "حضارة" تعد ضرورة أيضا. وهذا الشرط يستلزم كنتيجة منطقية وجود عالم "رابع" هو مجموع العلاقات الاجتماعية الضرورية، أو ما يطلق عليه: شبكة العلاقات الاجتماعية ، هي إذن؛ أربعة عوالم يصنع بها التاريخ، والإنسان فيها رأس الأمر كله، "فالشخص في ذاته ليس مجرد فرد يكون النوع، وإنما هو الكائن المعقد الذي ينتج حضارة، وهذا الكائن هو ذاته نتاج الحضارة، إذ هو يدين لها، بكل ما يملك من أفكار وأشياء.
عالم الأفكار، الحضارة،مجتمع.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع