مدونة د. نبيل عبد الرحمن ناصر الدين
حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية
د. نبيل عبد الرحمن ناصر الدين | DR. NABIL ABDUALRHMAN NASSERALDIN
06/01/2021 القراءات: 4302
وضعت الشريعة الإسلامية للإنسان، قواعد عامة قائمة على أساس الاعتدال والوسطية. قال تعالى:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً( )، وأعطى الإسلام النفس البشرية عناية هامة، وحرم الاعتداء عليها، وصان حق الإنسان في الحياة الذي كفلته جميع الأديان السماوية والنظم والتشريعات الدولية والوطنية، فالحياة منحة ربانية أُعطيناها لنستمتع بها ونعمل على حفظها وصيانتها إلى أن يأتي الأجل المحتوم( )، والشريعة الإسلامية حرمت أي اعتداء أو مساس بالحياة إذ جعل القرآن الكريم قتل الإنسان بغير حق مساوياً الشرك بالله، فقال الله تعالى:وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً( )، وقال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ.. ( ) ويعد الحق في الحياة أول الحقوق الأساسية وأهمها بين حقوق الإنسان، وهو الحق الأول للإنسان، وبعده تبدأ سائر الحقوق، وعند وجوده تتحقق بقية الحقوق وعند انتهائه تُعدم الحقوق( ) وإضافة إلى حفظ النفس والحق في الحياة ضمن الإسلام بقية الحقوق المتعلقة بالنواحي المادية والروحية. كالحق في التنقل والسكن، وحرية التملك، وحرية العمل وحرية العقيدة والعبادة…إلخ. ونظمت العلاقات الإنسانية بين بني البشر، في رحاب الشريعة الإسلامية، على أساسٍ من العدل والمساواة والإخاء، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( ) فالعدل أساس الحياة، ضمنها الإسلام في شتى جوانب الحياة المختلفة, فأساس ثبوت الدعاوى البينة التي تقوم على الدليل قطعي الثبوت والدلالة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إدرأوا الحدود بالشبهات"، وقال:" لأن يخطي الحاكم بالعفو، خير من أن يخطئ في العقوبة." وأمر بالعدل بين الحاكم والمحكوم، فقد ورد أن عمر ابن الخطاب كتب منشوراً إلى الناس يقول فيه :"إني لم أبعث عمالي ليضربوا جلودكم، ولا ليأخذوا أموالكم فمن فعل به ذلك فليرفعه إليّ لأقتص له"( ) وقد اهتم الإسلام بالجانب العقلي للإنسان، ودعا إلى العلم والتعلُم والتعليم، قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ( )، فالعقل أسمى شيء في الإنسان، وأبرز ميزة وصفة تميزه من سائر المخلوقات وهو أعظم منحة من رب العالمين، وقد حرم الإسلام تناول أي شيء يضيع العقل أو يؤدي إلى ضياعه أو فقدانه، قال رسول الله ( ما أسكر كثيره فقليله حرام)( )، ويرتبط اهتمام الإسلام بالجانب العقلي في حق الإنسان بالتفكير، وحرية الرأي والتعبير، فالإسلام جعل التفكير فريضة دينية لإعمال العقل، وحثه على الانطلاق والعمل، والنظر في الكون والحياة في الأرض والسماء, وتظهر حرية الرأي جلية في حق الاجتهاد في أمور الدين والدنيا، وهو بذل الجهد في معرفة الأحكام الشرعية، من أدلتها مع فتح باب الاجتهاد على مصراعيه للعلماء( ) ,ويظهر احترام الإسلام لحرية الرأي والتعبير من خلال إقرار مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال تعالى:وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ) وما يتعلق بالحقوق السياسية قال تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ( ) وبنى الإسلام علاقة الإنسان بأخيه الإنسان على مبدأ المساواة المطلقة أمام القانون فلا تمييز بين فرد وآخر لأي شيء عدا التقوى والعمل الصالح. فقد قال رسول الله في خطبة الوداع " لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى". وليس في الإسلام تمييز بالجنس أو اللون. قال تعالى:وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ( ) وليس في الإسلام تمييز بالدين أو العقيدة قال تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ( )، وليس في الإسلام تمييز بالرأي السياسي أو الوضع الاجتماعي، قال تعالى:إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا( ) وضمن الإسلام حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، ومنها عدم إكراههم للدخول في الإسلام، قال تعالى لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ( )، والإحسان إليهم وبرهم والكف عن ظلمهم، والوفاء بالعهد، وحرمة أعراضهم وحرية أموالهم, وشمل الإسلام القواعد الأساسية لضمان حقوق الإنسان وحمايتها ومساواة الرجل بالمرأة، واعتبارها شخصاً ذا أهلية أسوة بالرجل، وأعطتها جميع الحقوق الإنسانية، في الوقت الذي لم يتمتع بمثل ذلك التشريع أي شعب من شعوب العالم التي سبقت ظهور الإسلام.( ) وعلى هذا فإن جميع حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية قد نظمها الإسلام وشرعها، ونظم سبل ممارستها ووسائل حميتها، ودعا إلى المحبة والإخاء والتعاون والسلام ...إلخ. ونبذ البغض والكراهية والحقد والحسد والكسل...الخ.
الشريعة الإسلامية ، حقوق الانسان
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع