المدونات الالكترونية .. الفرار من حرّاس البوابة.
د.السر علي سعد محمد | Dr. Elsir Ali Saad Mohamed
17/10/2020 القراءات: 4844
يُعرف كل عصر من العصور بالاكتشافات والمخترعات التي تتم فيه، فقد عرفت البشرية العصر الحجري وعصر البخار وعصر الكمبيوتر والانترنت والآن نعيش عصر الثورة المعلوماتية، وتظل حاجة الانسان الى الاتصال والتواصل هي السمة المشتركة بين هذه العصور والحقب التاريخية باختلاف ما شهدته من اختراعات واكتشافات.
وقد وفر الانترنت منصة آمنة للكتابة والنشر، كأحد افرازات ثورة المعلوماتية كمولود هجين يحمل سمات الاعلام التقليدي مع ابراز الآنية والتشاركية والتفاعلية مع تعدد الاشكال التحريرية وذوبان الحدود الفاصلة بين الوسيلة والرسالة والمتلقي والمرسل في النموذج التقليدي للاتصال.
سطع نجم المدونات إلى جانب المنتديات في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين كأهم تطبيقات يوفرها الانترنت ومنصات يلوذ إليها الصحفيون وكتاب الرأي هربا من التضييق الذي تمارسه السلطات تحديدا في الانظمة الشمولية والدكتاتورية بفرض المزيد من القيود والتشريعات التي تضبط الممارسة الصحفية و تكثر العقبات والمطبات التي تحد من حريات الكتاب في الجهر بآرائهم في كافة القضايا وتسويرها بالخطوط الحمراء.
المدونات التي يرجع الفضل في ظهورها الى المدون الامريكي يورن بارغر Jorn Barger (1953- ) ، حيث استخدم المصطلح لوصف موقعه الشخصي Robot Wisdom الذي يشير الى عملية تسجيل الويب ، بينما ظهرت كلمة مدونة Blog بعد أن قام بيتر ميرهولز(Peter Merholz )، وهو من المهتمين بهذه النوعية من المواقع عام 1999 بكتابة المصطلح Weblog في موقعه.
ظهور مواقع التواصل الاجتماعي على السطح بذات مزايا المدونات جعل الأخيرة تنزوي وتتماهى كليا في المنصات الجديدة ولم يحتفظ للمدونات إلا بالفعل " التدوين" الذي تشكل حسب طبيعة الموقع أو الشبكة، مثلا لمعمارية التدوين في موقع تويتر الذي تميز بالتدوين المصغر Micro blogging فتحوّل الفعل إلى تغريد Tweet وذاك أغرى الصحفيون المجيدين إلى اتخاذه منصة جيدة للتعبير والنقاش الحر، واصبح من اليسير ان تصل التدوينات في دقائق معدودة وفي آن واحد الى ملايين القراء ينتشرون على امتداد الكرة الارضية، طالما تتوفر شبكة للاتصال بالانترنت، ويستطيعون بذات القدر التفاعل معها – التدوينة- والتوفيق بين الجمهور المتنوع الاهتمامات.
وكذا الحال في فيسبوك الذي اعتمد للتدوين مصطلح “Post” إشارة إلى ما تعارف عليه في الصحافة التقليدية بـ" عمود"، و ما تتمتع به مواقع التواصل الاجتماعي من شعبية في الاتصال حفّز الصحفيون الانتقال إليها ، وتغذيتها بكتاباتهم الناضجة كمتنفس يتيح للهواء الساخن أن يتمدد في الفضاء دون رقيب آو حسيب، خاصة وان فيسبوك يتوفر على قاعدة امنية صعبة التحكم فيها من سلطات الدول او امكانية تتبع الكُتّاب دون مساعدة من فريق ادارة الموقع ( فيسبوك).
على الرغم من التحولات الكبيرة التي حدثت في بنية المدونات واتساع المظلة التي تنضوي تحتها الى شيوع الامر كفعل يمارسه المتصل بالانترنت، الا ان هناك من الباحثين من يرى ان القليل من المدونات يستحق ان نطلق عليه منصة صحفية ، ومن بين هؤلاء معتصم بابكر مصطفى الذي يشير الى انه بشكل عام المدونات ليست منصة صحفية لأنها لا تقوم بوظائف الإعلام المعروفة ، وتركيزها على وظائف دون أخرى كالتحليل والتثقيف والتعليم، وان كان كثيرون يعتبرونها بديل جيد من أجل نشر ما ترفض وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية نشره أو تحذف من المادة ما تراه مضرا بها سواء فعلت ذلك بدعوى السياسة التحريرية أم غيره.
من حيث التشريعات ومساحات حرية التعبير، نجد ثمّة حساسية تنتاب الاجهزة الامنية ضد مصادر الاخبار المفتوحة التقليدية او الحديثة وبصورة اكبر في بلداننا العربية، لتغير مسار تدفق المعلومات وسريانها من أعلى إلى أسفل، الامر الذي اوقع المدونون تحت طائلة قوانين النشر وفي بعض الحالات يحاكمون بالحبس تحت بنود القوانين الجنائية حال تجاوز الخطوط الحمراء او المساس بالامن العام او الاضرار بمصالح البلاد العليا وغيرها من جرائم.
ويعتبر القانونيون ان المدونات وجميع وسائط الاتصال البديلة تمثل مهربا جيدا للصحفيين من الوقوع تحت قبضة حراس البوابة الصحافية لاستحالة السيطرة على النص من جهة ولصعوبة الحجب الكلي (تعطيل الوسيط) من جهة اخرى لعالمية مقدم الخدمة الاتصالية ةةقوعها خارج نطاق الاختصاص الجغرافي للدول.
وما يعاب على المدونات في الجانب المهني تجاهل الاخذ بمعايير جودة المادة –المحتوى- كالصدق والتوثيق والموضوعية والاقتصار على رواية واحدة أو مصدر واحد في حدث يمس مصادر متعددة سعيا لتحقيق سبق النشر إضافة إلى عدم تجاهل الاشارة الى مصدر المادة او نقلها بطريقة –النسخ واللصق- من وسيلة إعلامية –تقليدية او حديثة- أو مواطن صحفي دون ذكر المصدر ما يعتبر انتهاكا صريحا لحقوق الملكية الفكرية .
ورأي آخر يختلف مع من لا يعترفون بالمدونة كمنصة صحفية، حيث ترى مجموعة "باحثون" ومن بينهم عثمان ابوزيد عن تجربة سابقة في الكتابة للصحافة الورقية، وما تبين له من فروق عند الانتقال الى التدوين الالكتروني، إذ في بعض الأحيان يكون الجمهور الذي تصل إليه عبر المواقع الالكترونية أكثر عددا وتنوعا، ولا سيما إذا أتيح للنص الظهور في منصة أكثر انتشارا، وإن التدوينة تستطيع الوصول إلى ملايين من المتلقين ويتفاعل معها الكثيرون، وأن الجانب الأمني ، يمكن ان يحل بوضع قوانين واضحة الدلالة والمعايير وبالتزام الصحفي بحرية الرأي والتعبير والدفاع عنها مع إنتاج مواد إعلامية غير مسروقة ولا منقوصة المهنية.
الصحافي العربي، حسب سيف الدين حسن العوض باستطاعته استخدام المدونات وغيرها من وسائل الصحافة غير التقليدية استخداما (مفيدا) و (مؤثرا) عبر التدرب على إتقان الكتابة نفسها من حيث مضامينها ومن حيث الاهتمام بمتلقي الرسالة (الفئة العمرية - الشريحة الثقافية - دائرة الاهتمام - الخ) حتى تتحقق الاستدامة و الثبات النسبي للمتلقي.
وكانت معظم الصحف الامريكية والبريطانية كانت تتيح لصحفييها حتى وقت قريب
المدونات، حراس البوابات، الإعلام الجديد، السر علي سعد
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سعادة الدكتور السر علي سعد.. مقال ممتاز ومميز.. ولقد استفدت منه معلومات اعرفها لأول مرة.. زادك الله علما وتقى ورفعة ونفع بك وبعلمك.