مدونة الأستاذ الدكتور لخضر بن الحمدي
القرآن الكريم: ما حدود تأويله؟
أ.د لخضرحمدي لزرق | Dr.lakhdar ben hamdi lazreg
01/08/2023 القراءات: 959
في بحثه عن تطور المذاهب الإسلامية في الإجابة عن مسألة الحكم الشرعي والأخلاقي على أفعال الإنسان قبل ورود الشرع، انتهى كيفن راينهارت الأمريكي( وهو متخصص في الدراسات الدينية الإسلامية، تدرب على دراسة الدين في جامعة هارفارد، تركز أبحاثه على الفكر الفقهي الإسلامي، في المقام الأول في فترة ما قبل الحداثة، والاستيلاء المعاصر على التراث الإسلامي، نشر كتابه "قبل الوحي: حدود المعرفة الأخلاقية الإسلامية"؛ وهو دراسة للنظريات الإسلامية للمعرفة الأخلاقية، وقد أنهى أيضا كتابا عن مجموعة متنوعة من الممارسات الإسلامية في أماكن مختلفة، يسمى الإسلام المعاش.) إلى أن المذهب الذي كان يرى أن العقل البشري قادر على تحديد الصالح والطالح ومن ثم الحكم بالإباحة والتحريم على الأفعال قبل ورود الشرع، كان هو المذهب السائد في القرون الأولى للإسلام، والمعتزلة كانوا حَمَلة لوائه، ويرى أن تأصيل المعتزلة لهذه المسألة يستند إلى أسس قرآنية خالصة، ولم يخضع المعتزلة في ذلك لتأثيرات الفكر العقلاني اليوناني كما يقال، ويرى راينهارت أن هذا الموقف- شأنه شأن القرآن- مدفوعٌ بروح دعوية تبشيرية قوية كانت سائدة في القرون الأولى للإسلام بحكم كونه دين الأقلية حينها، الأقلية التي تسعى إلى إيجاد مشتركات أخلاقية مع الغالبية غير المسلمة تكون سبيلاً لإقناعها بخيرية الإسلام ورفعته الأخلاقية، ولكن هذا المذهب بدأ بالاضمحلال والزوال ليحل محله المذهب المؤيّد لفكرة التوقف والقول بعجز العقل البشري المستقل عن الحكم بالخير والشر، وهنا يعزو راينهارت هذا التحول والاختلاف إلى تغير الظروف التاريخية والاجتماعية للمسلمين الذين أصبحوا أغلبية في المجتمع، فانخفضت الروح الدعوية التبشيرية لترتفع الروح الاستعلائية، التي تصور الوحي مستغنيًا عن أي سند من أي مصدر خارجه، من عقل أو سواه.
في مقابل هذا، يدافع فضل الرحمن (المتوفى سنة 1988م، وهو مفكر إسلامي باكستاني كبير، ترك بعد وفاته تراثا لا يزال متداولا بالبحث والتحليل في أغلب الجامعات الغربية والمنتديات الثقافية العالمية، من مؤلفاته أكبر مواضيع القرآن) عن ضرورة النظر إلى القرآن باعتباره دعوة أخلاقية في المقام الأول، فهو إن لم يقدم لنا النظرية الأخلاقية بصيغتها المجردة، فإنه قد حوى على كل العناصر اللازمة لتكوين هذه النظرية، ولكن الفقهاء أخفقوا حين اختزلوا القرآن في أحكامه الجزئية، غاضّين الطرف عن النظر العميق في الكليات الأخلاقية التي نادى بها القرآن مرارًا، كمثل: العدل والقسط والإحسان والتقوى. وعلى الرغم من أن تاريخ أصول الفقه قد شهد ظهور نظريات فقهية تصب في هذا المسعى، مثل الاستحسان أو المصلحة المرسلة، إلا أن فضل الرحمن يرى أن جمهور الفقهاء قد أعرض عن تطوير هذه النظريات؛ لما يكتنفها من اعتباطية تستعصي على الضبط الذي يرومونه.
فهم القرآن، العقل المشرع، التأويل
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع