الضَّعفُ القرائي والكتابي.. من العُقدةِ إلى الحَلّ.
19/07/2022 القراءات: 2992
الضعف القرائي والكتابي .. من العُقدةِ إلى الحَلّ.
✍️ ياسر الدالي.
من واقع عملي معلمًا لمادة اللغة العربية لمختلف المراحل الدراسية لمدة تزيد عن عشرين عامًا، وعملي الحالي في الإشراف التربوي وقفتُ على هذه المشكلة التي لطالما أرقت أولياء الأمور، والمعلمين، والمجتمع على حدٍ سواء، بل ووصلت آثارها إلى خريجي الجامعات، وهي معاناة تلاميذنا وطلابنا في المراحل الدراسية المختلفة من الضعف القرائي والكتابي، ولو نظرنا إلى بقية فروع اللغة العربية الأخرى من (نحو، وصرف، ونصوص، وبلاغة) لوجدناها تصبّ في تنمية وصقل هاتين المهارتين (القراءة، والكتابة).
وانطلقتُ في رؤيتي هذه من تشخيص الواقع التعليمي، ومخرجاته السنوية في مختلف المراحل الدراسية على مدى هذه الأعوام، فطُلابُنا لا يتمكّنون في الغالب من قراءة قطعةٍ أو فِقرةٍ أو موضوعٍ إلا بصعوبةٍ بالغة، ولا يتمكنون من التعبير عن مشاعرهم وما يُطلب منهم إلا بعد جهدٍ شديد، وبتراكيبَ بسيطةٍ جدًا لا ترقى إلى المستوى المطلوب، ناهيك عن كمية الأخطاء الإملائية التي تصاحب عملية الكتابة، ورداءة الخط الذي كُتبت به تلك الفقرة، أو الأسطر المطلوبة، أو الموضوع المراد، حتى تشعر أنك تفكُّ حروزًا - أحيانًا - من رداءة الخط، وهذا بطبيعة الحال يرجع إلى أسبابٍ كثيرة، منها ضعف قدرات التلاميذ القرائية، أو قلة القراءة وانعدام محفزاتها، منها أيضًا ضعف قدرات معلم اللغة العربية ومهاراته في المادة، واتّباعه طرقًا وأساليبَ تقليدية في تدريس المادة تكرّس عملية التعليم لا التعلُّم، منها أيضًا ضعف عملية ترغيب الطلاب وتحبيبهم بمادة اللغة العربية، بل ما يزيد الطين بلةً تلك الرسائل السلبية التي ترسخ مفهومًا خاطئًا يقول بصعوبة مادة اللغة العربية، ومن تلك الأسباب أيضًا ضعف أنشطة مادة اللغة العربية، والاكتفاء بالحد الأدنى منها، كالإذاعة المدرسية التي لا يشترك فيها إلا قلةٌ من الطلبة، والمجلات الحائطية التي غالبًا ما تكون مشاركات التلاميذ فيها منقولةً وليست من نتاجاتهم، ومنها أيضًا اختلاف قدرات التلاميذ الحسية والإدراكية، فبلا شك تختلف قدرات التلاميذ من حيث السمع، والبصر، والذكاء، والفهم والاستيعاب، والتركيز، والحفظ، والقدرة على الاسترجاع، كل هذه القدرات تلعبُ دروًا أساسيًا في عملية الكتابة، وكذلك من أسباب الضعف القرائي والكتابي ضعف المتابعة الأسرية، إمّا بسبب الأمية، وهذه حظُّنا منها كبيرٌ في مجتمعاتنا العربية، وإمّا بسبب الإهمال والانشغال عن الأولاد ودراستهم بأمورٍ أخرى، ومنها رتابة منهج اللغة العربية في هذه الفروع، إذ لا توجد عنايةٌ تُذكر بهذه الفروع، فهي لم يَطَلْها أيّ تغييرٍ أو تعديل منذ فترة طويلة.
بهذه الأسباب التي ذكرناها نكون قد وضعنا أيدينا على الألم الذي يحتاج إلى مهاراتٍ عاليةٍ في علاجه، وبالتالي نضمن شفاءه بعون الله تعالى.
وإذا ما أتينا إلى المعالجات المقترحة لهذه المشكلة، فلا بد أولًا من الإخلاص؛ كوننا أصحاب رسالة في بادئ الأمر، ثم الجِديّة في تنفيذ هذه المقترحات على أرض الواقع؛ حتى نجنيَ النتائج التي نريدها -بإذن الله، وتتمثل هذه المقترحات العلاجية في الآتي:
١- تشخيص قدرات التلاميذ (القراءة، الكتابة، الإملاء، الخط) في أول العام الدراسي: بمعنى إجراء اختبار قبلي مقنّن، بموجبه نحدّد مستوى كل تلميذٍ في كل مرحلةٍ دراسية.
٢- تصنيف المشكلات ودراسة أسبابها: بعد الاختبار تُجري عملية إحصاء للمشكلات التي يعاني منها الطلاب، ثم تُصَنّف إلى مشكلات (قرائية، كتابية، إملائية، خطيّة) ومن ثَمّ البحث في أسباب تلك المشكلات من وجهة نظر تربويةٍ بحتة.
٣- اقتراح العديد من الحلول لهذه المشكلات، ولا بد أن تكون هذه الحلول وفق خطةٍ زمنيةٍ محددة؛ حتى نتابع بجديةٍ عملية التحسُّن المتدرّج، ونصل إلى المستوى العالي من المهارة فيها.
٤- تكثيف التطبيقات، والتكاليف التي تعالج تلك المشكلات، والعمل على تنوّعها، بمعنى إن لم تكن هناك تطبيقات مكثّفة ومتنوّعة للارتقاء بالمهارة فلن نحصل على النتائج المطلوبة.
٥- إجراء اختبارٍ بعدي لقياس النتائج، ومدى نجاعة تلك الحلول التي وُضِعَت كعلاجٍ لتلك المشكلات.
بهذه المقترحات نكون قد وضعنا لأنفسنا مسارًا صحيحًا لعلاج الضعف القرائي والكتابي، أما إذا عكسنا الأسباب التي سُقناها في الأعلى، فسنصل إلى مستوى عالٍ ومُشرّفٍ بإذن الله، ونجملها هنا بالآتي:
- تحفيز الطلاب على القراءة الأنشطة والمناسبات والمسابقات المتنوعة، وتفعيل دور المكتبات المدرسية، ورفدها بالكتب اللازمة والمناسبة لمستويات الطلاب.
- رفع كفاءة معلم اللغة العربية، وقدراته في المادة، ومهاراته الأدائية لتدريسها (طرق وإستراتيجيات تعلمية، وأساليب حديثة، وأنشطة متنوعة، ووسائل تقنية متطورة).
- تحبيب الطلاب وترغيبهم باللغة العربية عبر إقامة الأنشطة المتنوعة التي تخدم المادة، وتُكتَشَف فيها قدرات الطلاب ومهاراتهم، والعمل على تنميتها وصقلها، كالإلقاء للشعر، والقصة، والموعظة، والخاطرة، وغيرها، وإفساح المجال لكتابة الشعر، والقصة بأنواعها، والكتابة الحرة، وتنمية مهارة الحوار، والتفاوض.
- أخذ قدرات الطلاب المختلفة، والفروق الفردية بينهم بعين الاعتبار في كل شيء مما ذكر، بحيث يُعطي كل تلميذٍ حقّه من العناية والاهتمام.
- عملُ خطة متابعةٍ مع الأسرة لهؤلاء الضعاف من قبل الإدارة المدرسية، ومعلم المادة؛ حتى تؤتيَ تلك المعالجات أُكُلها على النحو الصحيح والمراد.
- بالنسبة للمنهج العمل على تدعيمه بمنهجٍ إثرائيّ مرافقٍ يحقق المهارات الخاصة باللغة العربية من (قراءة، وكتابة، وتحدث، وإنصات).
- إيلاء عملية التقويم أهميةً وعنايةً أكبر، إذ يمكن أن تكون هناك اختبارات معرفية للمعارف المنهجية، واختبارات أدائية أخرى تعتبر جزءًا من اختبار المادة، تقيس مستوى المهارات عند كل تلميذ في (القراءة، الكتابة، الإملاء، الخط) على أن تُجمعَ في النهاية باسم درجات أعمال الطالب (الشهرية، والفصلية).
والله مِن وراء القصد، والهادي إلى سواء السبيل.
الضعف القرائي والكتابي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع