المولد النبويّ بين الحقيقة التاريخية و الخصوصية الثقافية
26/09/2023 القراءات: 1444
ما قرأته حول ما كتب عن المولد النبويّ الشريف، جعلني أدرك كم يحمل هذا الشعب الّذي لا يقرأ موروثه من ثقافة نقليّة متحجرة. فبمجرد فتحك لكتاب السيرة لابن إسحاق ثم ابن هشام ، والنظر فيما أودعه القدامى من روايات حول هذه الحادثة وغيرها، ستجد أنّ ما ذُكر من اختلاف في تاريخها وتاريخ ما اتصل بها من بعض الخرافات في المخيال الشعبي القديم، يفرض علينا إعادة النظر في كلّ الموروث الشفويّ الذي وصلنا بدءا من رجم القردة التي زنت في الجاهليّة ومرورا بإرضاع الكبير دون أن ننسى بطبيعة الحال قتل من خرج عن الإسلام بعد أن دخل فيه بمحض إرادته، بعبارة ابن عاشور ، الذي لم يستطع بدوره رغم محاولاته التنورية أن يؤمن بحرّية الاعتقاد خارج الإسلام بعد أن استشهد بحديث آحاد لابن عباس .
قلت، لقد أنكر ابن هشام في تعديله لسيرة ابن إسحاق أن يصل نسب النبيّ إلى سيدنا آدم. وفي المقابل فإنّ النسب عند ابن هشام يقف عند عدنان فحسب.
والناظر في السيرة النبوّية يجد أنّ الرسول، صلى الله عليه وسلّم، قد وِلد عام الفيل أو قبله أو بعده . والعبارة ها هنا (مقدّر ب 570/ 571 ميلاديّا) تطرح إشكاليات كبيرة وخطيرة تختلف من حيث الشكل والأهميّة خصوصا لدى المؤرخ الّذي يزعم أنه قادر على وضع قناعاته الإيمانية بين معقفين أو ظفرين عندما يدرس تاريخ ديانة ما. وإلاّ لبات مؤرخ الديانة الإسلامية إسلاميا ومؤرخ الديانة البوذية بوذيا، على حدّ عبارة هشام جعيط، الذي لم يستطع هو الآخر أن يتخلّص من دائرة الإيمان وإكراهات القدامى والمستشرقين في كتاباته( أندري توريه. دفاعه عن حروب الردة مثلا).
-
إذن فمن الضروري، في ما نرى، الأخذ بعين الاعتبار أنّ نصوص السيرة النبويّة كانت تنبع في غياب النّص، هذا مع ضرورة الإشارة إلى وُجود معطى هام وثاثب يؤكد أنّ هذه النصوص الشفويّة "لم يكن هنالك رقيب ساعة جمعها وتدوينها"...هذه المسألة بطبيعة الحال أشار إليها الجاحظ في كتاباته عندما رأى أنّ الانتقال من فترة المشافهة إلى التدوين ثمّ الكتابة لحظة حرجة جدًا لأنّ النص الشفويّ عندما يدّون قابلٌ للتحريف والزيادة والنقصان والاستدراك. فضلا عن ذلك فإنّ النصوص القديمة قد وصلتنا دُون تنقيط. يضاف إلى ذلك معطى ثان لا يقل أهمية عن الأوّل وهو: هل يوجد ضامنٌ بأنّ الذي شهد على ثقة الراوي في تلك اللحظة هو شخص من الثقات ؟
- ثم أ ليس كل ما دوّن بعد مائة سنة من الحدث فاقدٌ لصحّة المؤرخ .
وخلاصة القول بصعب تبني التراث ككل لأنٌه ينتمي في حقيقة الامر إلى الماضي، وإنّ العناصر المقومة للماضي لا توجد كلها في الحاضر ، إذن فليس من الضروري أن يكون حضورها في المستقبل هو نفس حضورها في الحاضر . ولكن بالمثل لا يمكن رفض التراث ككل للسبب نفسه ، فهو إن شئنا أم كرهنا ، مقوم أساسي من مقومات الحاضر ، وتغيير الحاضر لا يعني البداية من الصفر.
إذن، الاحتفال بالمولد النبويّ الشريف خصوصية ثقافيّة فحسب تدخل في عالم تعزيز علاقة العبد بربه .أما عن المولد فلا تسل كثيرا. وعن الضب فراجع ما كتبه وحيد السعفي في العجيب والغريب.
وفي الأخير قد يأتينا بعض الحمقى والنوكى وهم متسلحون بمدافع التكفير في زمن التفكير من أجل محاكمتك بحجج سمعوها عن قصد أو غير قصد من بعض أئمة الأمة الذين نصبوا أنفسهم وسطاء بين العباد وربهم، يحاجوك بنصوص ابن كثير وهم لا يعلمون بأنه القائل أن هذه الأرض خلقت فوق ظهر حوت ثمّ يحاجوك بموقف ابن عاشور وهم لا يعلمون بأن المستعمر كان يستعمره ويفرض عليه قوانينه والرجل عندئذ كان يتحدث في كتبه عن الجزية التي يجب فرضها على الكفار. "ولئن كان ليس من حق أحد أن يمنع أي إنسان من الكتابة في الموضوع الذي يراه حتى وإن كان عصاميا لا سيما أن العديد من الأكاديميين المشهود لهم بالكفاءة ليسوا بالضرورة أصحاب شهائد عليا، فمن حق العلم علينا أن ننبّه إلى ما في هذه الكتابات من قصور معرفي ومن انتهازية ومخاطر من شأنها أن تعمّق الالتباس وتحافظ على الغموض في مسائل حساسة من شأنها أن تجعل الأديان بفعل هذه الدراسات تلعب دورها بالمعكوس فتكون أداة صراع ومواجهة وعنف لا أداة وئام ومحبّة".(ينظر على سبيل المثال حسن القرواشي: تكالب المفكرين على الاختصاص)
(ويل لأمة رأس مالها يخرج من الحقل لا ما يصنعه العقل)
تراث. سيرة. مولد
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع