مدونة الباحثة لطيفة المهدي شوقي


المقاومة الفلسطينية تحيي صحوة الأمة

د. لطيفة المهدي شوقي | Dr.Latifa Elmehdi CHAOUKI


06/01/2024 القراءات: 733  


يقول المفكر الإسلامي محمد اعمارة رحمه الله : "الصحوة تولد من رحم المحنة كما أن التوحيد ولد من رحم الوثنية" . تأملت هذا الكلام كثيرا لأول وهلة أسمعه، فوجدت أنه ذو دلالات عميقة، حقا لم يكن الإسلام لينتشر في عهد قريش ولا للتوحيد الخالص أن يترسخ بين الناس آنذاك لولا مجيء محمد صلى الله عليه وسلم الذي كشف للناس أنها أحجار وتماثيل لا تستطيع للناس نفعا ولا ضرا وأنار بصائرهم للحق، فكان الناس حينها أحوج إلى من يضيء مصابيح عقولهم ليروا الحقيقة الملموسة التي غفلوا عنها بفعل تعطيل فكرهم واتباعهم الأعمى للمعهود.
وقد أثبتت المقاومة الفلسطينية اليوم للأمة الإسلامية هذه الحقيقة، بأن السبات الذي عاشه المسلمون لقرون مضت ماهو إلا نتيجة تعطيل إرادي لبصائرهم وإهمال للجانب العقائدي وخمول في الجانب العلمي والعملي. هذه المقاومة التي ولدت من رحم الإحتلال الصهيوني، وولدت من رحم النكبات والحروب، وتجرعت النصر حينا والهزيمة حينا آخر، استطاعت اليوم أن تحيي روح الوحدة الإسلامية وترسخ الوعي القومي بالعقيدة المقدسية وتنجب لنا ما أسميه "الصحوة العربية الإسلامية" . هذه المقاومة التي كانت تحمل يوما ما خنجرا في اليد ومصحفا في الجيب واليوم تقصف الكيان الصهيوني بوابل من الصواريخ الشدة في التطور والتصميم الهندسي ، برهنت للعالم أن النصر يولد من رحم المحن، وأنه نتيجة مسيرة طويلة من الجهد والعمل والتطوير، فلا شك أن الصواريخ التي دكت حصون العدو اليوم مرت من مراحل تجريبية بين الفشل والنجاح خلال سنوات عدة.

أدرك العالم عامة والمسلمون خاصة أن شعلة متوهجة ربما تحرق حقلا بأكمله، ولطالما حاولت الأمة الدولية إطفاء هذه الشعلة بتصنيفهم مرارا وتكرارا لحركة حماس والمقاومة في لائحة الإرهاب، فتآمر عليها الغريب وتكالب عليها القريب لكن ذلك لم يمنعها من السير قدما، فصاحب الحق دوما راسخ هكذا كانت ولازالت المقاومة الفلسطينية.

وهبت المقاومة لأجل بزوغ فجرها أرواحا كثيرة وقادة متألقين مثل الشهيد إبراهيم المقادمة والشهيد أحمد الجعبري وفقهاء كالشيخ أحمد ياسين والشيخ نزار ريان، وعقولا بارعة مثل الشهيد يحيي عياش والشهيد محمد الزواري. فكانت ضريبة النصر غالية ولكنها لم تزحزح المقاومة عن مسارها الذي أسسته على عقيدة صحيحة وكتاب وسنة استحكمت في صدور رجالها.
يقول الشيخ الغزالي رحمه الله : "إنهم يضربوننا بعنف لأننا نستيقظ فلو كنا أمواتا ما ضربونا " وأقول إن ما حدث ويحدث اليوم في فلسطين وغزة هو قدر إلهي أراد الله به إحياء قلوب ماتت وضمائر غفلت وغيرة تلاشت ، رغم ما نراه كل يوم في عدد الشهداء والأرواح التي ارتقت إلا أنها محنة شاء الله جل وعلا بها إعادة ولادة روح الوحدة الإسلامية وتلاحم القلوب وتراحمهم وجمع الأمة من جديد كمثل الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهذا ما حدث.
اهتز المسلمون في كل مكان بقلوب حزينة منفطرة لما يحدث لأخوانهم في فلسطين، فأدرك الجميع أنه لا شفاء لعضو في الجسد وعضو آخر معتل، فلا مكان لدعاء القبلية ولا القومية ولكن "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" سورة الحجرات آية 10. واستوعب الجميع أن عزتهم في الوحدة والإلتحام، وأن الهوان والضعف في التفرقة قال تعالى: "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ "سورة الأنفال آية 46.
الرسالة واضحة و صريحة لكن هناك أسئلة تراودني وأخاطب بها قلب كل موقن موحد و عقل كل لبيب متفكر عرف الحق وأقر به وضمائر الأحرار من عبودية التقليد الأعمى والهوى المتبع : هل ستعود الأمة لتغط في سباتها من بعد ما تبين لها سبل النصر والتمكين ؟ هل ستعطل من جديد صحوتها وتتكاسل في السعي وراء الأسباب الكونية للنصر؟ أم أنها ستسفيد من الدرس الذي جسدته المقاومة الفلسطينية اليوم والذي مفاده "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ"؟


المقاومة، فلسطين، الصحوة، الأمة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع