النبي صلى الله عليه وسلم يناقض صفة الخلق العظيم ؟ !!
عبد الحميد بغوره | ABDELHAMID BEGHOURA
21/12/2022 القراءات: 1417
"وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى"
تصور لنا هذه الآية موقف إنساني في أسمى كماله من حيث التوجيه واعتبار ذات الغير وإنزال الناس منازلهم مهما كانت أصنافهم ، إذ لما توجه ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه يبتغي منه علما أعرض النبي عن سؤله ولم يأبه له ظنا منه بأن أولئك النفر من سادات قومه سيسمعون قوله فلربما أسلموا، فعاتبه الله سبحانه من فوق سبع سموات؛ فلعل سبب العتاب ليس جليا فهل عوتب النبي بسبب عدم التفاته لابن أم مكتوم ودعوته لكبراء القوم أم لسبب آخر؟
هذا السبب محتمل لكن ما الضير أن النبي أصر على بعض قومه يدعوهم مادام أنه وجد حسب اعتقاده الفرصة سانحة وملائمة لممارسة دعوته؛ أليس هو أدرى بأساليب الدعوة والمواقف المواتية ليستغلها في صالحه بالإضافة إلى أن الإصرار من صفات الرسل ألم يقل الله على لسان نبيه نوح عليه السلام"ثم إني أعلنت لهم وأصررت لهم إصرارا" فلعاتب الله نوحا على إصراره إذن، بل إن الله ذكرها في معرض مدح لنبيه وإشارة منه إلى الأساليب الدعوية التي يمكن أن تتبع للدعوة ولايخفى أن النبي صلى الله عليه وسلم ضمن إسلام ابن أم مكتوم ويمكنه أن يعلمه ما سأل عنه في غير ما وقت.
قد يقول قائل إنه كذلك يمكن للنبي أن يعرض على قومه مراده منهم في وقت آخر مادام يلتقي بهم في غير ما زمن وموضع، يجاب على ذلك أنه يحتمل أن النبي اجتمع له من كبراء قومه مالم يحصل له نظير جمع من قبل، فخشي ألا تتكرر عليه الفرصة فأحجم عن ابن أم مكتوم حتى حين.
وعليه يمكن القول أن سبب عدم الالتفات ليس السبب الفعلي لعتاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أعلاه، فما يكون السبب الحق لذلك؟
أثنى الله على نبيه بخير ثناء على عظم أخلاقه فقال "وإنك لعلى خلق عظيم"، فلفظ عظيم على وزن فعيل الذي يصف الاسم ويقدمه في صورة تبلغ منتهى ما يمكن أن يوصف به اسم، إذ أنه من أراد ينعت اسما ما بأقصى حد يمكن أن يبلغه وصفه فلن يوجد أمثل من صيغة فعيل فهي الحد والغاية في المبالغة ومنتهاها فليس بعدها شيء-لذلك جاءت أسماء الله على تلك الأوزان بعد أن أضيف لها "أل" التعريف- والحاصل أن النبي بلغ حد أخلاقه المنتهى الذي لن يصله أحد من الخلائق بعده، وأكد كذلك بأن"وإنك" ولام التوكيد"لعلى" فصار الخبر إنكاريا ليزول أدنى شك في الخبر المنقول، فهل يعقل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وقع في خطأ مناقض لصفته؟
من المعلوم لدى العامة والخاصة والأمر المتعارف عليه أن الرسل معصومة من الخطأ عصمة غير مطلقة وإلا فإنهم خارجون عن كنه البشر إلا أن أخطاءهم قليلة جدا فهي في منزلة العدم ولا اعتبار لها، إذا جعل الله من أخطاءهم أحكاما يحتذى بها إن وقع فيها، وليلا يجعل الناس منهم آلهة يعبدونهم من دون الناس .
بالنظر إلى ما حكته فاتحة السورة من فعل النبي المتلبس بصفة الخطأ وهو فعله العبوس الذي هو تقطيب الوجهه بحيث يظهر في هيئة يعرف الشخص من خلالها أنه نافر من شيء ما غير راغب فيه؛ وهذا هو السبب الفعلي لعتاب الله لنبيه محمد إذ أنه لما جعل في قلبه نوعا من النفور وعدم الارتياح لابن أم مكتوم الذي انعكس على ظاهر واجه في شكل عبوس وأعراض عنه، عاتبه ربه لأنه فعل لا ينبغي أن يكون في قلب رجل مسلم تجاه أخيه المسلم فرابطة الأخوة الإيمانية أقوى من أي رابطة أخرى كما سلامة القلب من أي شيء يعكر صفوه ناحية أخيك منهي عنه، فلو أن النبي لم يكن في نفسه مثل هذا الشعور وتلقى ابن أم مكتوم برحابة صدر ولم يتول عنه وأفهمه الوضع الذي هو فيه في وقت وجيز، أو أنه فقط لم يصدر من قلب النبي فعل العبوس لم يكن الله ليعاتبه .
صدر من الله عز وجل خطابا بصيغة الغائب "عبس وتولى" ليشعر المتلقي بأنه ليس المعني بالخطاب ثم عاد بأسلوب الالتفات "وما يدريك لعله يزكى" ليقع العتاب في نفس النبي مدرجا ولا يفاجئه العتاب وهذا من لطف الله بنبيه صلى الله عليه وسلم.
توجهنا الآيات إلى الطريقة المثلى في تقديم النصح لأي كان بعدم التجريح وإظهار الخطأ بالطريقة المباشرة خاصة أمام الملأ -إذ الآية سيقرأها كل الناس والمسلمون منهم خاصة- وتعلمنا كذلك أن قضاء حوائج الناس خاصة أولو الضرر منهم أمر يستحسن المسارعة فيه وعدم التباطئ فيه.
إن هذا الذي عبس النبي وتولى عنه أصبح من المقربين إليه فكلما لقيه النبي يقول" مرحبا بالذي عاتبني فيه ربي"، وكان يستخلفه على المدينة إذا سافر و جعل منه مرذنه، فلقد أحسن إليه النبي أيما إحسان، فكذا ينبغي أن يعامل المسيء ويصلح ما أفسده فعله فيكون الذي بينه وبين المساء إلية ولاية حميمة .
عبس،إظهار، النبي،الوجه، السبب، الخطاب، المتلقي، الإيمان، الأخوة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع