تطورت مفاهيم الجودة نظرياً وتطبيقياً خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وتراكمت تلك التطويرات لتجمع تحت عنوان إدارة الجودة الشاملة Total Quality Management (TQM) التي أطلق عليها اليابانيون السيطرة الشاملة على الجودة Total Quality Control (TQC) وهي لا تدل على ذات المعنى الذي تناوله Fiegenbaum في كتابه الذي حمل العنوان ذاته عام 1962، بل تجميعاً لمفاهيم عدة تتمحور حول نظم الإنتاج ونظم إدارة الجودة والسيطرة على الجودة. وبالتأكيد كان للمتغيرات الاقتصادية الدولية دوراً واضحاً في تسارع تلك التطورات على نحو مضطرد فغدت الجودة هدفاً محورياً في عالم تسوده المنافسة المطلقة ووسيلة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية .
إن المتتبع لمجريات الواقع يؤشر أن أغلب الشركات خارج الدول الصناعية تقف موقف المتفرج المتلقي لتنتظر ما يقدم لها عالمياً، فهي تلهث وراء حلقات الجودة تارة، وشهادات المطابقة ISO 9001 و ISO14001 تارة ثانية، وتحاول أن تعيد بناء هيكلياتها الإدارية والفنية باعتماد أسلوب المقارنة المرجعية ونشر وظيفة الجودة من جهة ومتضمنات إدارة الجودة الشاملة ومداخل تحسين الجودة من جهة ثانية، ظناً منها أن ذلك يعني التطابق التام مع معطيات الجودة بما يجعلها أمام استحقاقات جوائز الجودة وميدالياتها، متجاهلةً في أغلب الأحيان المداخل الثقافية المطلوبة لانجاز ذلك والضرورية للولوج إلى الألفية الثالثة ومواجهة تحديات عدة لعل أبرزها العولمة .
لقد تجسدت فكرة إعداد المؤلف من خلال الحاجة الملحة إلى كتاب يتناول مفاهيم الجودة المعاصرة ضمن إطار واحد، وتم إغناء محاوره من خلال تجربة مؤلفه مع مواضيع الجودة بحوثاً ودراسات واستشارات وفصول دراسية في الدراسات الأولية والعليا، وبذلك سيركز على نظم إدارة الجودة ذات المنهج الوقائي وهو المدخل الذي ينال حيزاً واسعاً في أدبيات إدارة الجودة بوصفه بديلاً عن مداخل الجودة العلاجية .
يحوي هذا الكتاب مقدمة واثني عشر فصلاً عرض الأول والثاني تمهيداً نظرياً للمؤلف من خلال موضوعين الأول تحت عنوان إدارة الجودة – مدخل وظيفي واستراتيجي قدم لوظيفة إدارة الجودة واستراتيجياتها، أما الثاني فناقش نتاج عدد من رواد الجودة بعنوانه فلسفات إدارة الجودة . وتناول الفصل الثالث موضوع أبعاد الجودة وفق عدد من الآراء لتكون أساس نظري لفصول لاحقة مثل نشر وظيفة الجودة وتحسين الجودة ، كما ناقش الفصل موضوع كلف الجودة وتبويباتها والمسؤولية عن قياسها . أما الفصل الرابع فقد عرض أحد المداخل التي تعتمد فرق العمل في إدارة أنشطة الجودة ألا وهو حلقات الجودة من حيث مفهومها ومبادئها وآليات تشكيلها ومشكلات التطبيق .
وقدم الفصلين الخامس والسادس أسس الأنشطة الوقائية في إدارة الجودة مستمدةً أفكارها من المبدأ "أعمله صحيحاً من البداية" وعلى مستويين الأول ذا علاقة بالمنتج (نظام ضمان جودة المنتج) والثاني على مستوى الشركة (الأنظمة ISO 9001-2000 ، ISO 14001-1996، ISO 18001-1997) .
أما الفصل السابع فركز على فلسفة التحسين المستمر للجودة بوصفها مدخلاً ثقافياً وإجرائياً لإدارة أنشطة الجودة وقدمت تقنياته السبيل لذلك معتمدةً على فكرة عدمية وجود قمة واحدة بل قمم متعددة، ولأن الزبون نقطة البداية والنهاية في إدارة الجودة فان الشركات تجتهد في كسب رضاه من خلال أسلوب نشر وظيفة الجودة بوصفه أداة مهمة لسماع صوته وهو ما تناوله الفصل الثامن، أو من خلال دراسة ما تنتهجه الشركات الرائدة في فعل ذلك وهو ما عرف بالمقارنة المرجعية موضوع الفصل التاسع .
واستكمالاً للمنهجية العلمية للكتاب يقدم الفصل العاشر عرضاً لجوائز الجودة وميدالياتها بالتركيز على الشائع منها بوصفها مكافئة للشركات التي سعت لاعتماد منهج الجودة المعاصر الذي تكثّفت معطياته في نظام إدارة الجودة الشاملة وهو ما تناوله الفصل الحادي عشر، أما الفصل الأخير فقد اجتهد الباحث في عرض عدد من مفاهيم الجودة المتداولة وعلى نحو مكثّف أمثال إسعاد الزبون والايصاء الواسع وأسلوب الانحرافات الست .
وحاول الباحث نقل تجاربه العملية من خلال الاستشارات والعقود والتعايش مع واقع حال عدد لا بأس به من الشركات الصناعية والخدمية وتم ترجمة ذلك بمباحث ألحقت بفصول الكتاب وعبرت عن تأطير واقعي للمفاهيم المقدمة .
وفي الختام ينبغي الإشارة إلى أن هذا العمل مجرد جهد أولي، وحتماً فان ملاحظات واقتراحات السادة المختصين باحثين وكتاباً وأكاديميين ستغني العمل وتحقق فائدة أكبر للقارئ فضلاً عن الفائدة التي اجتهد لها المؤلف .
أ.د. ميسر إبراهيم أحمد الجبوري | prof.Dr. Moyassar I. Ahmed Aljuboury | 8841