العنف الأسري، أسبابه، آثاره، وعلاجه - ج1
باحث / طه ياسين محمد الزيباري | Taha Yaseen Mohammad Zebari
23/01/2025 القراءات: 5
المقدمــــة:
الحمد لله الذي أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير من أقام المودة والرحمة في العلاقات الأسرية، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وهي الحاضنة التي تنمو فيها القيم الأخلاقية والروابط الإنسانية. إلا أن هذه المؤسسة التي ينبغي أن تكون منبعاً للأمان والسلام قد تشهد أحياناً تصدعات نتيجةً للعنف الأسري، الذي يُعدّ من أخطر المشكلات الاجتماعية التي تعصف بالأسرة وتنعكس آثارها السلبية على جميع أفرادها وعلى المجتمع ككل.
يتناول هذا الموضوع أبعاد العنف الأسري من حيث تعريفه وأسبابه المتعددة التي قد تكون اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية، ويُسلّط الضوء على آثاره الخطيرة على الأفراد والمجتمع، ثم يناقش سبل الوقاية منه وعلاجه من خلال منظور تربوي وإسلامي وقانوني.
نسعى في هذا البحث إلى تقديم رؤية شاملة تسهم في الحد من هذه الظاهرة، وتعزز مفهوم الأسرة الآمنة المبنية على الحب والاحترام المتبادل، إيماناً منا بأهمية إصلاح الأسرة لتحقيق مجتمع متماسك ومستقر.
تعريف العنف الأسري
العنف الأسري هو كل فعل أو قول يصدر من أحد أفراد الأسرة ضد فرد آخر داخل الأسرة نفسها، يتسم بالقسوة والإيذاء الجسدي أو النفسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، ويؤدي إلى الإضرار بالضحية سواء جسدياً أو معنوياً أو اجتماعياً، مما يهدد تماسك الأسرة واستقرارها.
وقد عرّفت منظمة الصحة العالمية العنف الأسري بأنه:
"أي سلوك ضمن العلاقة الأسرية أو العلاقة الحميمة، يؤدي إلى أذى جسدي أو جنسي أو نفسي، أو إلى معاناة من خلال التهديد أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية" (WHO, 2002).
كما عرّفه القانون الدولي لحقوق الإنسان على أنه:
"أعمال العنف الموجهة ضد شخص ما بناءً على الجنس أو العلاقة الأسرية، وتشمل التهديد، الإكراه، أو الحرمان من الحقوق الأساسية، سواء وقعت في المجال العام أو الخاص" (CEDAW Committee, 1992).
أما من المنظور الشرعي، فقد يمكن تعريف العنف الأسري بأنه:
"كل اعتداء بالقول أو الفعل يتعارض مع مبادئ الرحمة والمودة التي أرسى الإسلام دعائمها في العلاقات الأسرية، ويتسبب في الإيذاء الجسدي أو النفسي لأحد أفراد الأسرة". ويستند هذا التعريف إلى قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19]، وقول النبي (ﷺ: ( ((يركم خيركم لأهله)) رواه الترمذي
فالعنف الأسري هو مشكلة عانت منها جميع المجتمعات بغض النظر عن الديانة أو الثقافة السائدة فيها، وهي من أقدم الظواهر التي عرفها المجتمع البشري على مر التاريخ، غير أنها في الفترة الأخيرة شهدت زيادة وانتشار كبير بصورة تبعث الخوف في النفوس، ولهذا نالت هذه الظاهرة اهتمام ولفتت انتباه كافة الجهات المهتمة والمعنية بالأسرة ومنظمات حقوق الإنسان في العالم ومؤسسات المجتمع المدني، والتي تصدر تقارير دورية توضح مدى انتشار هذه الظاهرة بصورة تجاوزت جميع التوقعات، وبشكل يهدد بقاء وبناء الأسرة والمجتمع بأكمله.
أشكال العنف الاسري:
1- العنف اللفظي:
نهى الدين الإسلامي عن السخرية والاستهزاء من الناس والتحقير منهم والتقليل من مكانتهم ومنزلتهم، سواء كان ذلك داخل الأسرة أو خارجها، سواء كان هذا التقليل بتوجيه العبارات أو الهمز، وغير ذلك، يقول المولى عز وجل في كتابه العزيز {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الأسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} (الحجرات، الآية 11).
2- العنف الجسدي:
تصدى الدين الإسلامي للعنف بجميع صوره وأشكاله، لاسيما فيما يرتبط منه بالاعتداء على النفس البشرية، وهناك الكثير من النصوص القرآنية التي تنهي وتشدد من عقوبة العنف الجسدي، يقول المولى عز وجل في كتابه العزيز {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً} (سورة الإسراء، الآية 33).
3- العنف الجنسي:
الدين الإسلامي الحنيف قد نهى وحرم الزنا وجعله من الكبائر، وحرم ونهى عن استغلال النساء في الأمور الجنسية، يقول المولى عز وجل في كتابه العزيز {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} (سورة الإسراء، الآية 32). والدين الإسلامي لم يشير إلى الاغتصاب باللفظ ذاته، ولكن تحدث عنه بصورة أخرى، حيث جاء في القرآن الكريم {لا تكرهوا فتياتكم على البغاء، إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم} (سورة التوبة، الآية 33).
4- العنف الاقتصادي
يتضمن التحكم في الموارد المالية للأسرة، حرمان أفراد الأسرة من الحقوق الاقتصادية الأساسية، أو استغلال الموارد المالية بشكل يؤدي إلى الإضرار بهم.
مثال ذلك منع الزوجة من العمل أو حرمانها من الإنفاق الكافي.
5- العنف الاجتماعي
يشمل عزل الضحية عن المجتمع أو الأصدقاء أو الأسرة الممتدة، ومنعها من المشاركة في المناسبات الاجتماعية أو التواصل مع الآخرين.
6- الهدف هو السيطرة على الضحية وزيادة تبعيتها للمعنِّف.
7- الإهمال
يُعد شكلاً من أشكال العنف خاصة تجاه الأطفال أو كبار السن، حيث يُترك الشخص دون توفير الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء، المأوى، أو الرعاية الصحية.
8- العنف الأسري للمرأة:
تقبلها للعنف واعتبار الصمت وعدم صدور رد فعل قبول بالعنف، مما يجعل الطرف الممارس للعنف يتمادى في الأمر ويكون أكثر جرأة وشجاعة على ممارسة العنف، وقد تظهر مثل تلك الحالة عندما لا يكون للمرأة من تستعين به، ومن يأخذ على عاتقه مهمة حمايتها ووقايتها من هذا العنف.
العنف، الاسري، آثار، أسباب، علاج
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع