سمومُ الشاشاتِ في شهرِ الطاعات
محمد سيد أحمد شحاته | mohamed sayed ahmed shehata
12/03/2025 القراءات: 8
: رسائلُ مُسلسلاتِ رمضانَ تُهدِّدُ قُلوبَ الصَّائمين
شهرُ رمضانَ الأغرّ، ضياءٌ يَهِلُّ على الأمةِ كلَّ عام، حاملاً في طياتهِ نفحاتٍ إيمانيةٍ، وبركاتٍ ربانيةٍ، وأجواءً روحانيةً فريدة. هو شهرُ القرآنِ والقيامِ، شهرُ التَّوبةِ والغفرانِ، شهرُ الصَّفاءِ والنَّقاءِ الرُّوحيّ. يُقبِلُ علينا ضيفًا كريمًا، فتهفو إليهِ القلوبُ، وتستبشرُ بهِ النفوسُ، وكمْ انتظرناهُ بشوقٍ، وكمْ تمنينا أن نُدرِكَ بركاتِهِ. وها نحنُ نُحلِّقُ في سمائهِ، نرتوي من معينهِ الصافي، ونستضيءُ بنورهِ الوضَّاح.
لكنْ، في غمرةِ هذا الفيضِ الرَّبانيّ، وفي خضمِّ هذا الشَّهرِ الفضيلِ، تُطلُّ علينا شاشاتُ التِّلفازِ بِمَوجةٍ عاتيةٍ من المُسلسلاتِ، تَتَزاحَمُ على مَوائدِ الإفطارِ والسَّحورِ، تَحملُ في طَيَّاتِها رَسائلَ خَفيَّةً، ورُؤىً مُغرضةً، تُهدِّدُ رُوحانيَّةَ الشَّهرِ، وتُفْسِدُ على الصَّائمينَ صيامَهم، وتُشَوِّشُ على صفاءِ قلوبهم، وتُعيقُ سَيرهم نحو اللهِ.
إنَّنا لا نُنكرُ أهميَّةَ الفنِّ ودَورَهُ في التَّوعيةِ والتَّثقيفِ، وفي إثراءِ الوجدانِ والارتقاءِ بالذَّوقِ، ولكنَّ المُشكلةَ تَكمُنُ في تلكَ الرَّسائلِ السَّامَّةِ التي تَتَسلَّلُ بهدوءٍ ورِقَّةٍ ظاهِريةٍ إلى عُقولِ المُشاهدينَ وقُلوبِهم، خاصَّةً في هذا الشَّهرِ المُباركِ، الذي يَجِبُ أنْ يَكونَ مُخَصَّصًا لِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وتَهذِيبِها، ولِتَرقِيَةِ الرُّوحِ وتَطهِيرِها. فما هي أخطرُ تلكَ الرَّسائلِ التي تُقَدِّمُها لنا مُسلسلاتُ رمضانَ هذهِ الأيام، وتُلقي بِظِلالِها على أجواءِ الشَّهرِ المُباركِ؟
1. العُنفُ المُبَرَّرُ: لغةُ الشَّاشةِ الرَّمضانية:
كمْ نَرَى في هذه المُسلسلاتِ من مَشاهدَ العُنفِ الصَّارخِ، والدِّماءِ المُراقَةِ، والصِّراخِ المُدوِّي! تُصوِّرُ الشَّاشاتُ العُنفَ بأبشعِ صورهِ، وتُقدِّمُهُ كأنَّهُ الحلُّ النَّاجعُ والوَحيدُ للمشاكلِ المُستعصيةِ، وكأنَّهُ الوسيلةُ الأمثلُ والأسرعُ لتحقيقِ المَطالبِ والأهدافِ. تُقَدِّمونَ صورةً مُشوَّهةً للمُجتمعِ الإنسانيّ، تَغيبُ فيها قِيمُ التَّسامُحِ والحِوارِ البنَّاءِ والعَقلانيَّةِ الرَّشيدةِ. في رمضانَ الذي يُفترضُ أنْ نَتَعلَّمَ فيهِ الرِّفقَ واللِّينَ في القَولِ والفِعلِ، والحِكمةَ في التَّعامُلِ مع المُشكلاتِ، تأتي هذهِ المُسلسلاتُ لِتُرسِّخَ ثقافةَ العُنفِ في نُفوسِ أبنائِنا وشَبابِنا، وتُهيِّئَ الأذهانَ لِتَقَبُّلِهِ كأمرٍ مَألوفٍ ومُبَرَّرٍ. أينَ قِيمُ الصِّيامِ التي تُعلِّمُنا ضَبطَ النَّفسِ وكَظْمَ الغَيظِ والصَّبرَ على الأذى؟ وأينَ رُوحُ الشَّهرِ الذي يَدْعُونا إلى التَّراحُمِ والتَّعاطُفِ والإِخاءِ؟
2. الانتقامُ المُقَدَّسُ: شِعارُ البُطولةِ الزَّائفة:
تُركِّزُ الكثيرُ من المُسلسلاتِ الرَّمضانيةِ بشكلٍ مُبالَغٍ فيهِ على ثيمةِ الانتقامِ المُدَمِّرِ. البَطَلُ في هذهِ الأعمالِ هوَ مَنْ يَنتَقِمُ لِنَفْسِهِ أو لِأُسرَتِهِ بِضَراوةٍ وشَراسةٍ، حتى لو تَجاوَزَ كُلَّ الحُدودِ الأخلاقيَّةِ والشَّرعيَّةِ، وداسَ على كُلِّ القِيمِ الإنسانيةِ النَّبيلةِ. يُقَدِّمونَ الانتقامَ كأنَّهُ حَقٌّ مُقَدَّسٌ لا يَجوزُ التَّنازُلُ عنهُ، وكأنَّ التَّسامُحَ والعَفوَ صِفةُ الضُّعفاءِ والهَوانِ، لا شِيَمُ الأقوياءِ والأَكارِمِ. في رمضانَ الذي يُعلِّمُنا العَفوَ عن المُسيئينَ، والصَّفحَ عن المُذنِبينَ، والإحسانَ إلى المُعادينَ، تأتي هذهِ المُسلسلاتُ لِتُشجِّعَ على ثقافةِ الحِقدِ الدَّفينِ، والضَّغينةِ المُستَحكمةِ، والانتقامِ الأعمى الذي لا يُبقِي ولا يَذَرُ. أينَ هَدْيُ النَّبيِّ ﷺ في العَفوِ عن أهلِ مكةَ يومَ الفَتحِ المُبينِ؟ وأينَ قِيمُ التَّسامُحِ التي يَدْعُو إليها القُرآنُ الكريمُ؟
3. الإدمانُ المُغْرِي: مُتنفَّسُ اليَأسِ على الشَّاشة:
لا تَكتفي بَعضُ المُسلسلاتِ بتصويرِ مَشاهدَ الإدمانِ بِشَكلٍ عابرٍ، بلْ تَتَجاوزُ ذلكَ إلى تجميلِ صورةِ المُدمنِ، وتقديمِ الإدمانَ (على المُخدِّراتِ أو الكحولِ أو التَّدخينِ أو غَيرِها) كأنَّهُ مُتنفَّسٌ لِمَنْ ضَاقتْ بِهِمُ الدُّنيا، أو لِمَنْ يَعيشونَ حياةً بائسةً مُرهِقةً. يُقَدِّمونَ الإدمانَ كحلٍّ سِحريٍّ للمشاكلِ النَّفسيَّةِ والاجتماعيَّةِ المُعقَّدةِ، ويُغفِلونَ تَمامًا أضرارَهُ الوَخيمةَ على الفردِ والمُجتمعِ، وعلى الدِّينِ والدُّنيا. في رمضانَ الذي يُفترضُ أنْ نُحارِبَ فيهِ كُلَّ أنواعِ الإسرافِ والتَّبذيرِ والإضرارِ بِأَنفُسِنا وأموالِنا، تأتي هذهِ المُسلسلاتُ لِتُروِّجَ لِسُمومِ الإدمانِ بِطريقةٍ مُبطَّنةٍ ومُغْريةٍ، خاصَّةً لِفِئةِ الشَّبابِ الذينَ هُمْ أكثرُ عُرضةً لِتَأثِيرِ هذهِ الرَّسائلِ الخَطيرةِ. أينَ قِيمُ الصِّيامِ التي تُعلِّمُنا قُوَّةَ الإرادةِ والتَّحَكُّمَ في النَّفسِ والتَّغلُّبَ على الشَّهواتِ؟ وأينَ رُوحُ الشَّهرِ الذي يَدْعُونا إلى تَطهِيرِ النَّفسِ مِنْ كُلِّ الدَّنَسِ والرَّذِيلَةِ؟
4. كراهيةُ الأقاربِ المُبَرَّرَة: تَمزيقُ نَسيجِ الأُسرةِ المُسلمة:
تُركِّزُ بَعضُ المُسلسلاتِ بِشَكلٍ مُفْرِطٍ على الصِّراعاتِ العائليَّةِ الدَّاميةِ، والخِلافاتِ المُستَحكمةِ بينَ الأقاربِ، وتُصوِّرُ كراهيةَ الأقاربِ والتَّباغُضَ بينَهُم كأنَّهُ أمرٌ طبيعيٌّ ومُتَوقَّعٌ في كُلِّ أُسرةٍ، أو حتى دَليلٌ على القُوَّةِ والشَّخصيَّةِ القَويَّةِ التي لا تَخْضَعُ لِأَيِّ اعتباراتٍ عائليَّةٍ. يُقَدِّمونَ صورةً مُفَكَّكةً لِلأُسرةِ المُسلمةِ، تَغيبُ فيها قِيمُ
المسلسلات شهر رمضان
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة