مدونة سعد الدين العثماني


تمتع بالصحة النفسية الإيجابية (4)

سعد الدين العثماني | EL OTMANI SAAD DINE


11/12/2024 القراءات: 95  


4 - النفس بين الدين والعلم

إن تعريف الصحة النفسية وتحديد أنواعها، يحتاج أولا إلى تصور مختلف أبعادها، وهو أمر لا يتأتى إلا بأن نعرف ما هي النفس، وما هي مكوناتها. فهو من المباحث التي حار فيها كثير من الدارسين قديما وحديثا. وهنا نشير إلى أن النفس تستعمل في الدراسات الحديثة بمعان تختلف قليلا أو كثيرا – حسب السياقات – عن استعمالات لفظ النفس في القرآن الكريم والأحاديث النبوية والنصوص الدينية والتراثية الأخرى. وفي أحيان أخرى تستعمل بمعنى قريب منها لكنه غير مطابق لها. وتدقيق هذا الأمر مهم حتى لا يقع الخلط في استعمال هذا المصطلح في تلك المصادر، مما يمكن أن يكون مصدر خطإ أو تشويش.
ففي القرآن الكريم تستعمل النفس بعدة معان، يهمنا هنا معنى كونها محرك أوجه نشاط الإنسان الإيمانية والأخلاقية، يقول الله تعالى: "ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها" (الشمس/ 7 – 10). وللنفس القدرة على توجيه الإنسان نحو الخير أو الشر كما في الآية الكريمة: "قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا، فصبر جميل والله المستعان" (يوسف/ 18). وكان المفسر التابعي قتادة بن دعامة (توفي 118هـ/ 763م) يقول بأن معناها: "بل زينت لكم أنفسكم أمرا" . فالنفس تزين للإنسان فعله، وهي مستودع الإرادة والاختيار بين الخير والشر، والطاعة والمعصية، كما في الآية الأخرى: "وهديناه النجدين" (البلد/ 10).
هذا بالنسبة للنفس في النصوص الدينية، أما لفظ النفس في الدراسات العلمية الحديثة فيستعمل بمعنى الجانب غير العضوي أو الفيزيولوجي من "الشخصية". فهي بالتالي محرك أوجه نشاط الإنسان الإدراكية الفكرية، أو الانفعالية الوجدانية، أو الحركية.
والنتيجة الواضحة لهذا التمييز، هي أننا عندما نتحدث عن مرض النفس دينيا، فنعني به انحرافا في الفهم أو الإرادة، يتحمل الإنسان مسؤوليته فيه، وقد يعاقب عليه عند الله تعالى، ويصلح بالتوجيه الديني والأخلاقي.
بينما مرض النفس علميا وطبيا، فهو خلل لا إرادي، لا يتحمل الإنسان مسؤوليته في الأصل، ولا يعاقب عليه، بل يكون موضوع رخص وتيسير في الشريعة، وعلاجه يتولاه الأطباء وليس غيرهم.
وإذا أردنا أن ندقق أكثر في معنى "النفس" بالمعنى العلمي والطبي، فإننا عندما نقوم بتشريحها أفقيا نجد لها مكونات ثلاثة هي التفكير والعاطفة والسلوك. وقصر النفس على الجانب العاطفي وحده، وهو المعنى المتداول في كثير من الكتابات وفي الاستعمال الشائع، غير سليم لأسباب عدة. منها أنه يوهم بأن الجانب العاطفي مستقل في تطوره ونضجه وتفاعلاته وتأثيراته عن الجانبين الآخرين. وهو غير ذلك كما سنراه.


النفس - النفس الإنسانية - الصحة النفسية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع