مدونة الباحث/ محمد إبراهيم محمد عمر همد


شعر الهايكو: ماهيته وموطنه الأصل

الباحث/ محمد إبراهيم محمد عمر همد |


09/07/2024 القراءات: 456  



معنى كلمة (هايكو) من معاني لفظة هايكو في اللغة اليابانية طفل الرماد (1)، ومن معاني الكلمة أيضاً العبارة الممتعة المسلِّية، ويأتي هذا المعنى من دلالة المقطعين اللذين تتكون منهما الكلمة، وهما المقطع (هاي) بمعنى مُضحِك أو مُسلٍّ أو مُمتَع، والمقطع (كو) بمعنى عبارة أو كلمة.(2)ويعد المعنى الثاني هو الأقرب للمعنى الاصطلاحي للكلمة، حيث ارتبط شعر الهايكو في بعض مراحل تكوينه بالمزح والتلاعب بالكلمات والتسلِّي بذلك. الهايكو اصطلاحاً هنالك عدَّة تعريفات لشعر الهايكو عند النقَّاد والدارسين، وقد عرَّفه محمد الدنيا مترجم كتاب (أجمل حكايات الزن يتبعها فن الهايكو) حيث قال: "الهايكو هي قصيدة من ثلاثة أسطر تتشكل في مجموعها من سبعة عشر مقطعاً لفظياً، وتنطوي على صور من الطبيعة أو انطباعات حولها مع كل ما تتضمنه من طقوس وعادات وكائنات حية، على أن تكون المفردات يابانية أصلية.".(3) ومن هذه التعريفات أيضاً تعريف للناقد عبد القادر الجموسي يقول فيه: "الهايكو الياباني الكلاسيكي هو عبارة عن قصيدة بيت واحد يتألف من ثلاثة أسطر تشكل في مجموعها سبعة عشر مقطعاً صوتياً.".(4) أما الناقدة آمنة بلعلى فتقول عن قصيدة الهايكو: "تتمثل في نظام المقاطع التي تتكون من ثلاث جمل، تحوي الأولى خمسة مقاطع والثانية، سبعة والثالثة خمسة، كما تحمل كلمة توحي إلى الفصول وأخرى تفصل بين الجملتين.".(5) والملاحظ في التعريفات السابقة أنَّها راعت الجانب الشكليَّ لبنية شعر الهايكو، وموضوع اهتماماته. لمحة تاريخية عن سياق مصطلح الهايكو ازدهر في القرن الخامس عشر نوع من القصائد يسمى بالـ(رينغا)، والذي يأخذ شكل قصائد مطوَّلة تبلغ المائة بيت، يتعاون في تأليفها مجموعة من الشعراء، يشارك كل منهم بمقاطع لفظيَّة تتراوح بين السبعة عشر والأربعة عشر مقطعاً لفظيَّاً، وتُرتَّب المقاطع السبعة عشر على شكل هذا النهج العدديَّ (٥- ٧- 5 ) مقاطع لفظيَّة،(6) على أن تأخذ المقاطع الأربعة عشر هذا النهج العدديَّ (٧- ٧ ) مقاطع لفظيَّة، وبعد تجميع هذا النسيج الشعريِّ يعمل الشعراء على اختيار مائة بيت منه ليكوِّن قصيدة (الرينغا). وقد ظلَّت قصائد (الرينغا) مهيمنة على الأدب اليابانيِّ؛ لاحتفاظها بجماليات النهج الكلاسيكيِّ للشعر اليابانيِّ في القرون الوسطى، وظلَّ الأمر كذلك حتى القرن السادس عشر، حيث ظهر نوع آخر من الشعر أُطلِق عليه اسم (هايكاي- رينغا)، وعلى الرغم من أنَّه لا يختلف كثيراً عن الرينغا في الشكل، حيث يتكوَّن بذات الطريقة التي تتكوَّن بها قصائد الرينغا- إلا أنَّه يختلف عنه في بعض الأمور نحو استخدامه اللغة اليوميَّة، وطغيان روح المزح فيه، بالإضافة إلى اهتمامه بتناول موضوعات الحياة اليوميَّة، والتي كانت بعيدة كلَّ البعد عن دائرة اهتمام شعر الرينغا الكلاسيكيِّ المحافظ، ويُطلَق على البيت الأول من النوعين كليهما اسم (الهوكو)، والذي يتكوَّن من سبعة عشر مقطعاً لفظيَّاً، كما يتفق النوعان- الرينغا والهايكاي- على أن يحتوى البيت الأول منهما على إشارة أو إدراج فصل من فصول السنة فيه، وهذا الإدراج يطلق عليه اسم (الكيغو).(7) ولاحقاً أصبح مطلع هذا النوع من القصائد (الهوكو،) منفصلاً ليمثِّل نواة لقصيدة قصيرة يُطلَق عليها اسم (الهايكو)، ويرجع الفضل في ذلك إلى الشاعر ماتسو باشو (١٦٤٤- ١٦٩٤)، والذي استطاع أن يخطو بهذا النوع الشعريِّ خطوات بعيدة، وذلك لقدرته على الاحتفاظ بالخفَّة والإحساس به، فضلاً عن حفاظه على مظاهر الدهشة والظرف فيه، ثم أخذ هذا النوع الشعريُّ الجديد يُحظَى بالقبول في الأوساط الشعبيَّة، إلا أنَّه لم يأخذ مصطلح الهايكو بصورة عامَّة إلا في القرن العشرين، وذلك على يد ماسوكا شيكي ١٩٠١م، حيث أصبح هذا المصطلح يعني القصائد القصيرة.(8) وهنالك نوعان من القصائد تشبهان قصائد الهايكو، هما: (التانكا) و(الواكا)، وهما نوعان من الشعر اليابانيِّ الذي يتكوَّن من خمسة أسطر، تمثِّل الأسطر الثلاثة الأولى الجزء الأول من القصيدة، بينما يمثِّل السطران الرابع والخامس الجزء الثاني من القصيدة نفسها، ويُطلَق اسم (الواكا) على القصائد التي ترجع إلى ما قبل القرن العشرين، بينما يُطلَق اسم (التانكا) على القصائد التي كُتِبَتْ في القرن العشرين، ويتفقان في البناء اللفظيِّ، كما يختلفان عن الهايكو في عدم التقيِّد بذكر كلمة الفصل، بالإضافة إلى عدم اقتصارهما على وصف الطبيعة.(9) يتضح مما سبق ذكره وجود ثلاثة مصطلحات متقاربة لفظاً ومتباينة في المعنى، ألا وهي: الهايكاي، والهوكو، والهايكو، فالمصطلح الأوَّل يُقصَد به القصائد الجماعيَّة الشعبيَّة ذات الطابع العاميِّ، والتي تشبه في الشكل قصيدة (الرينغا) الكلاسيكيَّة التي يقوم بتأليفها مجموعة من الشعراء، بينما يُقصَد (بالهوكو) المطلع الشعريّ لقصيدة (الرينغا أو الهايكاي)، أما المصطلح الثالث (الهايكو) فيُقصَد به القصائد القصيرة، والتي تمثل تطوُّراً خاصاً في شعر (الرينغا والهايكاي)، والناتج عن انفصال المطلع الشعريِّ لتلك القصائد، ليصبح نواة لذلك النوع الجديد من القصائد القصيرة. _____________________ (1) ريو يوتسويا، تاريخ الهايكو الياباني، ترجمة: سعيد بوكرامي، كتاب المجلة العربية، الرياض، (بدون تاريخ)، ص: ٧. (2) شريفي ياسمينة وبراهمي صبرينة، شعرية الهايكو في الشعر الجزائري المعاصر ديوان"قل .. فدل" لفيصل الأحمر أنموذجاً، بحث ماجستير غير منشور، جامعة بجاية، الجزائر، ٢٠٢٠م، ص: ٣٣. (3) هنري برونل، أجمل حكايات الزن يتبعها فن الهايكو، ترجمة: محمد الدنيا، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت،ط: ١، ٢٠٠٥م، ص: ١٤. (4) عبد القادر الجموسي، مختارات من شعر الهايكو الياباني، دار كتابات جديدة للنشر الإلكتروني، ط: ١، ٢٠١٥م، ص: ٥. (5) آمنة بلعلى، خطاب الأنساق، الانتشار العربي، بيروت، ط: ١، ٢٠١٤م، ص: ١٤١. (6) عبد القادر الجموسي، مختارات من شعر الهايكو الياباني، ص: (٣-٥).


الهايكو الهوكو الرينغا الكيغو


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


للمزيد حول شعر الهايكو انظر كتاب (إمكانية شعر الهايكو في البيئة اللغوية العربية من حيث الإنتاج والتلقي ) على المتجر الإلكتروني على الرابط: https://www.morebooks.shop/shop-ui/shop/product/978-620-5-63608-4