تثوير الأفكار البحثية (7) طرق مفيدة
14/12/2021 القراءات: 2537
بسم الله الرحمن الرحيم
مما لا شك فيه أن الفكرة البحثية لا تولِّد نفسها، ولا تنشأ من فراغ، وإنما هي نتيجة لوجود ما يسمى بالفجوة أو الثغرة أو المشكلة البحثية، هذه الفجوة أو المشكلة قد تكون كلية أو جزئية، وفي كلا الحالين تتطلب وجود حل وإجابة، ومن هنا تنشأ الأفكار البحثية التي من شأنها أن تعالجها، سواء من جميع جوانبها أو من بعضها.
إذا تقرر هذا؛ فإن كثيرا من الطلبة اليوم وقبل اليوم يعانون من أزمة ابتكار الأفكار البحثية، ومن أخص أسباب ذلك ضيق أفق الطالب، وقلة معاناته البحثية، ومطالعته الإثرائية؛ نتيجة اعتماده على المقررات والمذكرات الجامعية، وهذا الأمر يلجئهم إلى البديل الثاني وهو طلب مواضيع وعناوين بحثية جاهزة من الأساتذة والباحثين، وهو مسلك وإن كان حسنا إلا أنه قد يؤدي إلى آثار وخيمة في المسيرة العلمية حالا ومآلا.
أما في الحال فإنه نظرا لخلو خلفية الطالب في الغالب وحاجته البحثية يتقبل أي فكرة تلقى إليه، فقد توافق هواه وقد لا توافقه، فيجد نفسه بعد اختيارها والشروع فيها في حيص بيص، ذلك لأن هذه الأفكار إنما هي نتيجة مطالعة وممارسة وتراكمية، وهي في الغالب تتأثر بميول الأستاذ أو الباحث، وهذا من شأنه تحييد وتضييق أفق الطالب.
وأما في المآل فإن هذا الأمر يورث الكسل البحثي والفقر المنهجي، فلا تجد في رصيده -وقد صار دكتورا- سوى رسالته ومقال المناقشة! وهذا فضلا عن أن الخطأ في اختيار الفكرة أو الموضوع البحثي يترتب عليه ضياع جهد ووقت ومال أيضا.
وهذا الواقع هو الحامل على تسويد هذا البياض في بيان سبعة طرق عملية، تسهل على الطالب ابتكار أفكار بحثية تناسب الميول الشخصية والحاجة العلمية، وهي كالتالي:
1- تحديد المجال المعرفي المراد البحث فيه ضمن تخصصه، لئلا يتشتت ذهنه وتتداخل عليه الأفكار، وذلك إما لموافقته نهمته الشخصية، أو لأن الموضوع محل إلحاح علمي يتطلب الكتابة فيه.
2- اختيار ثلاثة كتب أو أقل أو أكثر في التخصص العام ومطالعتها؛ فإن كثيرا من الكتاب يثير في ثنايا كلامه إشكالات ومسائل تحتاج إلى بسط وتحرير، فالمطالعة أهم عوامل إثارة الأفكار البحثية.
3- جمع ما أمكن من الرسائل العلمية في التخصص، ثم مطالعة نتائجها وتوصياتها، فكثير من الباحثين يقترح آفاقا بحثية قد تكون مكملة لموضوع بحثه، أو مترتبة عليه، فيقيد ما يظهر أنه مناسب ثم يختار منها، أو يعدلها، أو يستخرج من مجموعها فكرة مناسبة.
4- البحث عن المجلات العلمية المحكمة في التخصص، ومطالعة أبحاثها المنشورة، فكثير من هذه الأبحاث قابلة للتطوير والتوسيع، ومن أقرب الطرق لذلك مراجعة المنصات المخصصة لمثل هذه المجلات، أو قواعد البيانات العالمية، فعلى سبيل المثال: المنصة الجزائرية للمجلات العلمية، منصة المجلات الأكاديمية العلمية العراقية، دار المنظومة... وهكذا.
5- عند سؤال المتخصصين عن المواضيع البحثية احرص على أن تكون دقيقا في تحديد ما تريد البحث فيه، سواء من حيث المجال المعرفي أو نوع الدراسة.
6- إذا كنت سائلا ولا بد؛ فاختر من الأساتذة والباحثين من كانت له عناية ظاهرة في تخصصه، ونشاط دائم في البحث والكتابة ونحو ذلك، وإن كان صغيرا في السن، لأن مَن هذا شأنه مظنة لغَنائه بالأفكار وتهيُّئه لاقتراحها، ولأن دوام حركته البحثية تمكنه من اختيار مواضيع جديدة لم تستهلك.
7- حضور مناقشات الرسائل العلمية، وكذا الملتقيات والندوات في التخصص العام أو الدقيق، لأن كثيرا من هذه المناسبات تتمخض عنها إشكالات علمية تتطلب دراسة، فمثلا من الانتقادات الموجهة للطالب في المناقشة: أنه توسع في دراسة متغير ما وأغفل جوانب مهمة، فهذا يمكن أن يكون مشروعا لرسالة، وأيضا ففي كثير من الملتقيات يفتح المجال للمداخلة والنقد، وغالبا تكون المداخلة تتميما لبعض الجوانب المغفلة، أو تعقيبا على بعض النتائج والنظريات، وكل هذا يستفاد منه في صياغة فكرة بحثية مناسبة.
ومن المهم بعد اختيار الفكرة أن تعرض على متخصص من أجل النظر في مدى صلاحيتها لتلك المرحلة، أو القيام بتعديلها والإضافة عليها، وهذا لا يستغني عنه الطالب لأن بتعدد العقول تتوسع الحلول.
هذا آخر ما أردت بيانه، والحمد لله وحده وصلى الله وسلم على محمد نبيه وعبده.
كتبه:
جمال بن مسعود حاروش
6/5/1443
11/12/2021
أفكار بحثية، فجوة بحثية، مشكلة، ابتكار
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع