مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (210)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


27/07/2024 القراءات: 231  


-القصيدة الدالية في السُّنة لابن الجوزي:
نقلتُها من نسخة خطية في برنستون:
(بسم الله الرحمن الرحيم
أنشدنا الإمام الفقيه فخر الدين أبو عبدالله محمد بن أبي القاسم ابن تيمية قال: أنشدنا الشيخ الإمام الثقة الحافظ شرف الإسلام جمال الدين عبدالرحمن أبو الفرج حجة العلماء ابن علي ابن الجوزي لنفسه في يوم الجمعة ثامن رجب من سنة ثلاث وستين وخمس مئة:
يا نادبًا أطلالَ كل نادي ... وباكيًا في إثْر كلِّ حادي
مستَلبَ القلب بحبِّ غادةٍ ... غدتْ غداة البين بالفؤادِ
مهلًا فما اللذاتُ إلا خُدعٌ ... كأنها طيفُ خيال غادي
أين المحبُّ والحبيبُ بعُدا ... وأنذرا مِن بعدُ بالبعادِ
وكل جمعٍ فإلى تفرُّقٍ ... وكل باقٍ فإلى نفادِ
مواعظ بليغة فيا لها ... مواعظ وارية الزنادِ
دعنيَ مِنْ ذكر الهوى فقد هوى ... مَنْ لم يوافقني على اعتقادي
إني أقرُّ أنَّ ربي واحد ... جلَّ عن الأشباهِ والأندادِ
صفاتُه كذاتهِ قديمةٌ ... سبحانه مِنْ ملكٍ جوادِ
يبصرْ سوادَ النمل والليلُ على ... ظلامه يدبُّ في السوادِ
ويسمعُ القول وإنْ أخفيتَه ... وهو لِمَنْ يعصيه بالمرصادِ
وهو على العرش كذا أخبرنا ... وكرَّرَ القول على العبادِ
نزولُه إلى السماء ثابتٌ ... في الليل فاهجرْ لذة الرقادِ
قضى الأمورَ قبل خلقِ خلقهِ ... وإنما يجزي على المبادي
أراد ما العالمُ يفعلونه ... فكلُّه يكونُ بالمرادِ
لكنه يكرهُ منه ما نهى ... عنه من الخلافِ والفسادِ
كلامُه صوتٌ وحرفٌ وبه ... ناجى الكليمَ جلَّ مِن منادي
إني أنا اللهُ الذي أوجدتكم ... أنا المضلُّ مَن أشا والهادي
ثم تجلى ربُّنا لطورهِ ... فخرَّ موسى صعقًا في الوادي
وليلة الإسرا رأى نبيّنا ... فيها الإله حججي بوادي
يراه كل المؤمنين في غدٍ ... في جنةٍ عاليةِ العمادِ
إذا تجلا ضاحكًا ناداهمُ ... بصوتهِ القديمِ يا عبادي
أمنتمُ كل مخوفٍ فاعلموا ... وفزتمُ بالفضل والأيادي
ولو رأيتَ النار هبتْ فغدتْ ... تحرقُ أهل الزيغ والعنادِ
وكل ما ألقي فيها حطمتْ ... وأهلكته وهْي في ازديادِ
فيضع الجبارُ فيها قدمًا ... جلّتْ عن التشبيه بالأجسادِ
فتنزوي من هيبةٍ وتمتلي ... فلو سمعتَ صوتها تنادي
حسبي حسبي قد كفاني ما أرى ... مِن هيبةٍ أذهبت اشتدادي
فاحذرْ مقال مبدع في قوله ... يروم تأويلًا بكل وادي
واتبع مقالَ السلف الذين ما ... زادوا ولا قالوا برأي بادي
منهم أبو عبدالإله أحمدٌ ... حُبّي له يوم الرحيل زادي
ما زاغ عن حقٍّ بقول جاحدٍ ... ولا توانى قطُّ في اجتهادِ
ذاك شجى وسط الحلوقِ وقذى الـ ... عيونِ والمنضجُ للأكبادِ
يا غاديًا نحو ضريحِ أحمد ... سلِّمْ على ذاك الضريح البادي
وقل له جادَك منهلُّ الحيا .. إذ جدتَّ بالنفس على الرشادِ
ما ضرَّه سوطٌ علاه إذ علا ... مِن بعده على عُلا الشدادِ
كأنني بالقوم يضربونهُ ... وذلك الحِبُّ بهم ينادي
كيف أقولُ بالهوى ما لم يقلْ ... وليس في الشرع دليلٌ بادي
وجِىء بالأشياخ في زمانه ... فكلُّهم أجاب بالمرادِ
لقد أجابوا عاجلًا لعاجلٍ ... كأنهم كانوا على ميعادِ
إلا قليلًا ثبتوا على الهدى ... وصابروا مواقفَ الجهادِ
وكلهم بأحمدٍ قد اقتدوا ... لولاهُ أضحوا ذللَ القيادِ
فرحمةُ الله على ابن حنبلٍ ... والتابعين إثره الزهادِ
فابناه في العلوم يَحكيانه ... والناقدان أحسن انتقادِ
محمد ومسلم واذكرْ أبا ... داود والحربي في الأعدادِ
والأثرم الإمام فهْو سيدٌ ... والدارمي سابق الجوادِ
واذكرْ أبا بكر حليف سرِّه ... وصاحب السواد والوسادِ
وكم له مِن تابع وصاحبٍ ... قبورُهم تشرقُ في البلادِ
لا تنس للخلّال يومًا فضلهُ ... وصاحب الخلال فهو بادي
والخرقي سيدٌ معظمٌ ... ألفاظه أحسن مستفادِ
والعكبراوي تلا آثارَهم ... مشمِّرًا قد رفض التمادِي
وانحاز علمُ الكل فاعلمْه إلى الـ ... ـقاضي أبي يعلى على السدادِ
كانتْ علومُ أحمد كأحرفٍ ... مفترقاتٍ لا ترى من هادِ
فضمّها بعلمهِ فأصبحتْ ... قولًا مفيدَ الأمن في الإيرادِ
وصحبه لا تنسَهم فإنهم ... كانوا كنورِ البدر في السوادِ
ولابنه وابن ابنه فضائلٌ ... بفضلها تملأ كلَّ نادي
ذرية تشابهتْ أبعاضُها ... وهكذا جواهر الأولادِ
ففخرهم ينطق عنه علمُهم ... بألسنٍ قواضبٍ حدادِ
إنَّ أبا يعلى غدا لجوهر ... فاعجبْ لقسم الجوهر المفرادِ
مهلًا فلو كنتُ أرى تناسخًا ... لقلتُ جهلًا ذاك باعتقادِ
وشيخنا الإمام في زمانه ... العالم الزاهد ذو الأورادِ
أعني عليَّ بن عبيدالله مَن ... مثلُ علي سابق الجيادِ؟
تصنيفُه أحسنُ أم جداله ... يوم الوغا وقمعه الأعادي
إنْ قال قولًا سكتوا لقولهِ ... أو صال مال قائمُ الهوادي
لقد أقرَّ الكلُّ بالعلم له ... حتى الخصوم وذووا الأحقادِ
وكل مَنْ لازم قولَ أحمد ... يعلو ولو رواه في الميلادِ
وفى اليسير قد ذكرتُ فضلهم ... ليْ غُنيةٌ عن كثرة التعدادِ
كن حنبليًّا ما حييتَ يا أخى .... واصبرْ على عداوة المُعادي
فالصبر في الحق له حلاوةٌ ... أحلى من النوم على السُّهادِ
وآخر الأمر لذي التقوى إذا ... خاب القليل الصبر في التنادِ
يا ربِّ قد أمحضتُّ صحبَ أحمدٍ ... محبتي وخالصَ الودادِ
نعم وقد عاديتُ كلَّ مبدع ... فلا ترينيهم لدى المعادِ
***
ثم هذه الحاشية وهي ليست من الأصل [أي ليست من نظم ابن الجوزي] وإنما هي زيادة عليه:
وابن أبي داودهم وابن أبي ... حاتمهم لا تنس في النقادِ
وابن المنادي أحمد بن جعفر ... وأحمد المعروف بالنجادِ
واذكر بني مندة حفاظ الورى ... لمتن خير الخلق والإسنادِ
والطبراني وأنصاريهم ... مصنف الفاروق في الرشادِ
والمقدسيين الذين هاجروا ... والمقتدى بهم من البلادِ
واذكر بني تيمية وفخرهم ... أحمدهم في العلم والجهادِ
وتابعي النعمان وابن شافع ... ومـالك يحبهم فؤادي
فهولاء إنـما يُبـغضهم ... مَن كان ميـّالًا إلى الإلـحادِ
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع