التضخم الركودى والجامعات المنتجة
د/ احمد صلاح الدين ابوالحسن | Dr Ahmed Salah Aldin Abo ALhassan
21/10/2021 القراءات: 3267
شاع منذ فترة قصيرة على لسان العديد من الدوائر الاقتصادية مصطلح التضخم الركودى الذى يحمل قدرا من التعارض الكبير حيث كان التحليل الاقتصادي يتَّجه دائما الى افتراض إلى تعارض ظاهرتي تضخم الأسعار والركود المصاحب ببطالة وعدم تزامنهما، فإما أن ينخفض التضخم على حساب معدل بطالة أكثر ارتفاعاً أو العكس
وحاولت العديد من الدوائر الاقتصادية العالمية تقديم تفسيرات محتملة لتلك الإشكالية وبعيدا عن الاشتباك المصطلحى وولوجا ً الى صلب المشكلة فلا شك ان الجامعات باعتبارها أحد القوى المعرفية المؤثرة والمتأثرة بالاقتصاد، ساهمت معظمها كجامعات نخبة في الدول المتقدمة بدور رئيسي ومشارك مع القطاعات الاخرى في نمو الإنتاجية القومية، وأصبحت الجامعة مطالبة من داخلها وخارجها بأن تكون أداة فاعلة وبشكل مباشر في زيادة النمو المعرفي ذا المردود الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
ونتيجة لهذا الطموح المتزايد للجامعات ككيانات معرفية او بيوت خبرة أصبحت مطالبة ان تكون عامل مؤثر في تحقيق التنمية والتقدم، وفى نفس الوقت تكون تحت طائلة التأثير المباشر لتباطء معدلات النمو على المستوى القومي او العالمي (الركود) ليس فقط من بوابة التمويل ولكن من خلال التأثير على المدخلات والعمليات وبالتالي احتمالية تذبذب جودة وتميز مخرجاتها.
واستمراراً لتلك البديهيات في تأثر الجامعات بكل ما يستجد حولها محليا او عالميا من ظروف كانت في الأساس دعائم لتطور ونمو الجامعة كعوامل اكتساح العولمة كأهم سمات النظام العالمي الجديد ، الثورة الصناعية الرابعة كمتغير تكنولوجي متسارع عميق الاثر، وتداعيات التحول نحو القرية الكونية واستبعه من هزات بالأسواق المالية العالمية سلباً او إيجاباً ، شراسة التنافسية العالمية على كافة الاصعدة.
ولعل في تلك الأمثلة التالية - مثلاً لا حصرا- توضيحاً للتأثيرات المتوقعة للتضخم الركودى على الجامعات حيث يتوقع زيادة شراسة التنافس بين جامعات النخبة العالمية في تقاسم كعكة سوق التعليم العالي العالمى وتغيرات واسعة في عمليات استقطاب مدخلات العملية التعليمية بها من نوعيات من المتفوقين من الطلبة، أو جذب كبار الباحثين والمدرسين أو لتصدير الخبرات الاكاديمية والمعرفية ذات المرود والسمعة الاكاديمية العالية وبالتالي فان التنافس العالمي بهذا الشأن سوف يزداد اشتعالا بين الولايات المتحدة لاستقطاب طلبة من أوروبا والهند والصين وبلدان آسيا دعما لموقعها العلمي، والشأن نفسه بالنسبة لإنكلترا وفرنسا وكذلك أستراليا. كما شرعت دول صاعدة مثل ماليزيا وسنغافورة وكوريا والصين تحت شعار ان التفوق الأكاديمي المعرفي قضية وجودية في ظل احتمالات المواجهة المنتظرة مع الغرب أن تكون مستقراً للطلبة المتفوقين وليست مصدرا لهم.
كذلك احتمالية التغير الجذري في آليات التمويل الحكومي لبعض الجامعات وخاصة في البلدان العربية لتكون عائقاً أمام توفير فرص التعليم العالي العادل للمواطنين ، بالإضافة إلى صعوبة المساواة في إتاحة الفرصة بين الأقاليم المختلفة داخل الدولة، في جامعات حكومية مكتظة بالطلاب وبحاجة إلى تمويل مضاعف في توقيت خاطئ لانكماش الموارد المالية نتيجة انخفاض معدلات النمو على المستوى القومي، لكي تتمكن من التوسع الأفقي لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب، كما أنها تحتاج إلى تمويل مضاعف أيضا للتحسين عمليا الجودة والتميز المؤسسي والاكاديمي بها.
كذلك من المتوقع ان تؤدى معضلة التضخم الركودى ان يزداد الايمان بالجامعات كمنتج رئيسي للمعرفة دوار أساسيا في خلق التنافسية التي ترتقي بالإنتاج القومي الذي يسهم بشكل كبير في تنمية الاقتصاد الوطني وبالتالي رفع مستويات النمو القومي، من خلال تحويل المعرفة والتكنولوجيا الجامعية إلى مجالات مرتبطة بالاقتصاد والصناعة.
ويمكن تمثيل رد الفعل المتوقع نحو تحدى التضخم الركودى ( كظاهرة اقتصادية دورية وليست بالجديدة تاريخياً ) بمتصل من العقلانية والبلادة وعدم الانتباه، قد يتصف في اعلى مستويات العقلانية بإعادة تفعيل شعار الجامعة المنتجة بشكل موضوعي وجاد بتبني سياسات اكاديمية وعامة تهدف إلى تشجيع إنشاء وتطوير التجمعات الصناعية العامة والخاصة قائمة على تحالفات استراتيجية مع مؤسسات التعليم العالي وتوفير الدعم اللازم لقطاع البحث والتطوير في مؤسسات التعليم العالي، بهدف توفير الاكتشافات ونشر المعرفة ذات الصلة بزيادة الإنتاجية الصناعية لتلك المؤسسات وفق نماذج متكاملة او منفصلة تذيب الفروق بين وظائف الجامعة الثلاثة وفق منظور تكاملي قادر على التأثير وقابل للتأثر، وقد شكلت تلك الاستراتيجية سابقة في النظام الاكاديمي العالمي في مواقف او تحديات مشابهة.
وهناك صلة لا يمكن انكارها بمردود تبنى تعظيم القيمة المضافة للجامعات المنتجة بأوجه مادية ومعنوية لتسهم في حيوية المجتمع من خلال انتاج وتحويل المعرفة بإحداث تغير جذريا في صناعة القرارات السيادية الجامعية التي تقف حائلا دون إحداث تقدم تكنولوجي وتقني في الجامعات لأسباب تصنف تحت المجهول المعلوم.
و هو ما يحتاج الى توسع السياسات الاكاديمية في التعليم العالي بشكل جاد وبعيدا عن المظهرية والواقع الزائف الذى يعبر عنه المردود متواضع القيمة في ربط بين البيئة الداخلية للجامعات من جهة، وبين الكليات ومؤسسات المجتمع من جهة أخرى عقد الشراكات والتحالفات الاستراتيجية مع مؤسسات المال والأعمال والمؤسسات الصناعية المحلية، والإقليمية والعالمية ، وتبني مفهوم حقيقي للابتكار في التعليم العالي بهدف تبادل المنفعة والخبرات وزيادة فرص الدعم والتمويل للجامعة، مقابل زيادة الإنتاجية بالنسبة لتلك المؤسسات ورفع أداء العاملين فيها.
التضخم - الركود - الجامعة المنتجة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة