المزيف والحقيقي وتحديات التقنية الرقمية و الذكاء الاصطناعي.
الكاتب محمد آيت علو | AIT ALLOU MOHAMED
13/10/2024 القراءات: 191
يرى خبراء التقنية ان مستقبل التطور التقني ومشاريع الذكاء الاصطناعي ستتسبب في فقدان الناس القدرة على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مزيف وهنا يأتي دورنا الثقافي اليوم حيث تقع على المثقف الحقيقي مهمة تمكين المجتمع ثقافيا كي يمتلك قدرة التمييز بين الحقيقي والمزيف ويتأتى ذلك من خلال توضيح الخطوط العامة للحق الذي توفر معرفته قدرة تمكين الفرد من معرفة الحقيقة.
إشباع الرغبات وتلبية احتياجات الانسان موضوع يشغل تفكير العقل الثقافي قديماً وحديثاً، لكن ما يميزه اليوم في عصر التقنية الرقمية المتطورة هو أن مشاريع الاستثمار الاقتصادي الصناعي لا تعطي مجالاً لوصول إلى حد مقبول لإشباع هذه الرغبات، فدائماً هناك عروض جديدة واغراءات أكثر إثارة وتشويقاً من سابقاتها، وبهذا تقيدت حركة حياة الناس في حدود مواكبة الإصدارات الجديدة لسوق الاستهلاك في عالم التقنية الرقمية ووظفوا وجودهم في الحياة لخدمة ولمواكبة هذا التطور والتنوع، وصارت ثقافة الفرد تعني كثرة تسوقه وإمكانيته المادية التي يمكنه من اقتناء الأفضل والأحسن والموديلات العالمية الجيدة والأحدث.
نعم لقد نجحت مشاريع التقنية المتطورة في تحديد وربما في إلغاء ظاهرة الموت جوعاً، لكن هذه المشاريع تسببت في نوع جديد من الفقر، يطلق عليه فقر الرفاهية. إنها مرحلة ما بعد الجوع، مرحلة تعطيل الاعتقاد بفكرة القناعة وإحلال مفهوم البراعة بديلاً عنه، إذ لم يعد تعليل الفقر في المجتمع على أنه تقصير وفشل سياسي وغياب للحس المجتمعي والمسؤولية الإنسانية والالتزام الديني والأخلاقي، بقدر ما صار يعني فشل قدرة أولئك الفقراء في ركوب أمواج التغيير الجديد في البلاد والعالم . تسبب هذا التعليل في دفع كثيرين إلى تغيير اعتقاداتهم بخصوص ثنائية الحلال والحرام والمعقول واللامعقول في سبيل كسب المال، وصارت ثنائية القبول والرفض بديلاً استهلاكياً مقبولاً يتيح لأشخاص توظيف الحيلة والغش على أنها مواصفات معينة قابلة للقبول أو الرفض ولا علاقة للأمر بالوعي الموضوعي الذاتي للفرد. وصار للشارع قوة فرض ثقافة المرحلة وإن كانت ثقافة غير منتجة أو غير صحيحة، لكن حرية استخدام وسائل التواصل وحرية النشر الالكتروني مع قلة وعي العامة من الناس وكثرة استخدامهم واعتمادهم الكلي على وسائل التواصل الاجتماعي، مكنهم من فرض ثنائية جديدة على المشهد الثقافي تتمثل في وجود نوعين من المثقفين. نوع مع ثقافة التبرير للتمرير، ونوع آخر مع ثقافة التغيير للتطوير. ثقافة التبرير أكثر إقبالاً وأكثر قبولاً في المجتمع، لأنها ثقافة تتناغم مع حاجة السلطة السياسية لفهم مجتزأ للثقافة ينحصر في الجانب الأدبي والفني. كما تتناسب ثقافة التبرير مع محدودية استيعاب الشارع للنشاط الثقافي كدور فعال في التغيير، فقد شهدنا خلال العقدين الماضيين كثيراً من التظاهرات ومحاولات التغيير التي كانت تتم على يد وبجهود وسط جماهيري شعبي غاية مطاليبه تكمن في تلبية احتياجات المواطن الأساسية التي تنحصر في الماكل والملبس والمسكن والشغل . النوع الآخر من المثقفين هو المثقف الذي يرى في الثقافة وسيلة للتغيير الحقيقي في عصر التقنية،
ثقافة التمرير تنتج مثقفاً مهموماً بالشهرة والمظهر الذاتي للثقافة، بينما تنتج ثقافة التغيير مثقفاً مهموماً بالعبرة والمظهر الموضوعي للثقافة. فالمثقف المهموم يتحرك بنشاطه الثقافي من أجل أن يصبح على مقربة من سلطة القوة ونفوذ المال والجاه. أما المثقف المهموم فإنه يتحرك بنشاطه الثقافي من أجل أن يصبح على مقربة من واقع الحال لتغييره إلى ما ينبغي أن يكون عليه.
لا شك أن مناخات العالم المتغيرة يشكل عام، لها تأثيرها في ثقافات المجتمعات وفي تشكيل ثقافات جديدة بفعل هيمنة عالم الأرقام على طرق التفكير التي أخذت تنحرف عن أنسنة نتاجات العقل الثقافي.
وخلاصة القول: - إن الكائن البشري يمكن أن يصبح - في حدود معينة - أي شيء يراه محبباً أولئك الذين يحددون له المثيرات التي يستجيب لها..
ثقافة، التقنية، الذكاء الصناعي، حداثة، متغيرات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة