مدونة بروفسور دكتور. وائل أحمد خليل صالح الكردي


(ديار هاديس) أو السجن وراء الذات في رواية (الهوتة). 3/3

أ.د. وائل أحمد خليل صالح الكردي | Prof.Dr. Wail Ahmed Khalil Salih AlKordi


14/12/2024 القراءات: 67  



  ولكن أجراس الكنيسة لعلها كانت رمزاً لما هو واقع خارج السجن وراء الذات هناك وتعبيراً عن وجود بصيص من الأمل المنذر بالخلاص مهما طغى بياض الثلج في العين واسود الوجه باليأس ولأن بياض الثلج هنا ليس خيراً وإنما ضياع لا نهائي (أذكر أن آخر مرة نطقت بها اسم بهار حين سمعت صوت جرس الكنيسة، خافتاً يأتيني من بعيد - الهوتة). وتوافقا مع تلك المقدمة المنطقية لرواية (الهوتة) في رسم حالة السجن وراء الذات، فقد طُرحت في ثناياها فكرة جوهرية في غاية الأهمية الفلسفية حول معيار العدالة وطريقة تصورها في أوقات الحروب وتفشي الجرائم ضد الإنسانية، هذه الفكرة هي معيار آخر للعدالة هو (العدالة الجمالية)، فميزان العدل القضائي ينكسر في حال الحرب وتنهار كل القوانين حين تدمر منصات تنفيذها وينفلت عقال المجتمع بالفوضى ولا يعود ثمة حق يسود إلا ما هو في عرف جلادي الحروب، هنا يدرك الإنسان أنه ما له غير معيار الذوق الوجداني الذي تحركه الفطرة السليمة في الإنسان عندما يغيب المنطق العقلي في صناعة الأحداث، لكي يرى بهذا المعيار الذوقي الأشياء من حوله في توازنها واتساقها فتثير شعواً في النفس بالرضا والتوافق من خلال التفاعل الجمالي معها بواسطة استشعار الجمال الطبيعي للوجود أو الجمال الفني في تحويل الجمالية الطبيعية إلى جمالية فنية (تذكرت مقولة رامبرانت التي طافت على سطح ذاكرتي "تكون الحياة عادلة إذا كانت طافحة بالجمال.." قلت في نفسي: "الجمال فقط يا رامبرانت يصنع عدالة. وهل في الحياة عدالة؟ ماذا عن رغيف الخبز؟ وعيش الغراب؟ وسنتين في السجن دون مبرر، واعدام فتى لأنه بعض مسؤولاً في الهواء ... ماذا عن أناس خاضوا البحر من أجل حياة فيها القليل من الأمان؟ - الهوتة) وحيث لا جمال في غمار الحرب، تكون العدالة الجمالية أمراً يقينيا إذا أدركها الإنسان لا شك فيها أو في وجودها بالفعل كما هو الشك في العدالة القضائية والأخلاقية والسياسية، وهنا يدرك الإنسان أنه سمى بنفسه عن أحوال الحرب وعظم الفارق بين الوجود السوي والوجود العليل بالحرب وهذا ما عبرت عنه بنحو شبه رمزي مقولات حامد في الرواية عن بيت بيلا (ففي هذا المكان، وأعني بيت بيلا، لا يوجد أثر لأي حرب؟ لا من قريب ولا من بعيد، حرب فرقتنا منذ نشأت منذ سنوات ومازالت - الهوتة) وتتوالى في الرواية أوصاف الأحوال والمظاهر الجمالية في جنبات هذا المنزل. فما الذي يمكن أن تفعله رواية (الهوتة) من وراء كل ذلك؟ إن ما يمكن أن تحققه (الهوتة) من تأثير هو التوجيه التفاعلي بالسرد نحو سبيل كسر باب السجن وراء الذات لضحايا القهر بجمع قلوب كل الذين عانوا من ويلات حروب في بلادهم وعاشوها عياناً أو بمشاهد في تاريخهم حفظتها الأجيال القريبة، وأن هذا الجمع هو الكفيل بخلق جبهة إنسانية لمنع توليد مزيداً من السجناء الساديين خلف ذواتهم أن يشعلوا نيران الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية بين الناس ونصب هياكل التعذيب غير ذات الرحمة (إذا لم نتقن القضاء على تلك الخلايا الموبوءة المتوارية، فإننا سنضيع في الجهات – الهوتة). -انتهى-


هاديس ، الهوتة ، السجن وراء الذات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع