مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (250)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


23/12/2024 القراءات: 18  


-يا رب:
أنشدني الأخُ الكريمُ الأديب الأريب الشاعر الماهر وزير الثقافة في موريتانيا السابق الأستاذ عبدالله السالم المعلى لنفسه مكاتبةً يومَ الاثنين (22) من جمادى الآخرة سنة 1446:
يا رب هبْ لي توبةً نصوحا ... لكل ذنبٍ وخنا مَصوحا
هبْ لي على التوب إليك العزما ... والصدقَ في توجهي والجزما
وهبْ ليَ الرجوع والإنابه ... إليك والتوفيقَ والإصابه
واشغلْ بكَ اللهم قلبي عن سواك ... لا يرجُ من سواك شوصةَ سواك
ولا يخفْ سوى مقام ربهِ ... إنْ يدعُ داعي ربه يلبِّهِ
أو تدعه منك لخوفٍ يخفِ ... وأسمعنّه نداءك الخفي
يا ربِّ كن لي على نفسي ولا ... تكنْ لها عليَّ وارزقني الولا
وخذ بناصاتي إلى الرشادِ ... عن كل شادنٍ وكل شادِ
يا رب أوزعني من الأعمالِ ... صالحَها المُرضيك في المآلِ
وأعطني يا ذا الهبات الفاخره ... سلامةَ الدنيا وفوزَ الآخره
وانصرنيَ النصرَ العزيز الظاهرا ... وافتحْ ليَ الفتح المبين الباهرا
واختمْ مطيلًا لي بحُسنى العُمرا ... ولترضَ عنيَ رضاك الأكبرا
واجزِ إلهي الوالدين والشيوخْ ... خير الجزا أهل الصلاح والرسوخْ
وكل مَنْ أحبني أو أحسنا ... إليَّ فارزقه السناء والسنا
وكل مَنْ عاهد أو أوصى فهبْ ... لي وله أمنًا يقي من الرهبْ
وكل مَنْ كانت له بنا صلهْ ... أو علقةٌ بأي وجهٍ حاصلهْ
وكن لنا يا مَنْ يرانا كلنا ... فمَنْ لنا إنْ أنت لم تكن لنا
بجاهك اللهم عندك استجبْ ... ولا تدعْ عنك دعائي يحتجبْ
وصلِّ يا رب على محمّدِ ... والآل والصحب الثقاة العُمَدِ
أسنى صلاةٍ وسلامٍ أسنى ... يُنمى إليها رفعة وحسنا
***
-طربشانة لا "بَطِرٌ بشأنِهِ"!
من المذكورين في كتاب "الدرة الفاخرة فيمن انتفعتُ به في طريق الآخرة" لابن عربي: المرأة الصالحة فاطمة بنت ابن المثنى، وقد وقع في ترجمتها تحريفٌ غريبٌ جدًّا، أبينُه هنا، وهو تحريف "طربشانة" وهو اسم مدينة، إلى "بَطِرٌ بشأنِهِ"! وبطرشانة إحدى بلديات مقاطعة قادس التي تقع في منطقة الأندلس جنوب إسبانيا.
وإليكم الترجمة كما هي:
جاء في "مختصر الدرة الفاخرة" (تحقيق: محمد أديب الجادر، دار الفتح، عمّان، ط1، 1427-2006)، (ص: 41-43)، وسأضعُ الكلمة المحرّفة بين معقوفين:
"فاطمة بنت المثنى من المجتهدات، لم أَرَ في الرِّجالِ ولا في النساء أَشدَّ ورعًا ولا اجتهادًا منها.
ما ذكرتُ لها مقامًا إلا كان ذلك المقام لها حالًا.
ذات ذوق وكشوف.
كانتْ طائفةٌ من إخواننا من مؤمني الجن يجلسون إليها، ويرغبون في صحبتها، وكانت تأبى عليهم، وتسألهم أن يحتجبوا، وتذكر ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة قبضه على الجني: تذكرتُ دعوة أخي سليمان، فأرسلتُه.
لها في التوكل قدمٌ راسخةٌ، وكان عيشها في بدايتها من مغزلها، فخطر لها يومًا أنَّها تعيش من غزل يدها، فقرضَ الله إصبعها الذي كانت تغزل به من وقتها، ورأيته مقروضًا، فسألتها عن شأنه. فأخبرتني بما ذكرته، وصار عيشها ممَّا يَنْبِذُهُ النَّاسُ من الأطعمة خلف بيوتهم.
رجعتْ إلى طريق الله وهي بكرٌ صغيرة السن في بيت أبيها، وأدركتُها أنا وهي بنت ست وتسعين سنة، وكنت أستحيي أنظر إلى حُسن ديباجتها ونعمتها.
تزوجتْ برجل صالح، فابتلاه الله بالجذام، فخدمته أربعًا وعشرين سنة مسرورة بذلك إلى أن توفي إلى رحمة الله.
كانت إذا جاعتْ، ولم يُفتح عليها بشيء، وضُيق عليها في رزقها تفرح وتسر وتشكر الله على هذه النعمة حيث فعل معها بذلك ما يفعله مع أنبيائه وأوليائه. تقول : يا رب، بماذا استوجبت عندك هذه المنزلة العظمى حيث عاملتني بما تعامل به أحبابك؟
بنيتُ لها بيتًا من خوص، كانت تتعبَّد فيه، فلما كانتْ ذات ليلة فرغ الزَّيْتُ الذي كانت توقد به السراج، وطفئ السراج، ولم يكن ينطفئ لها سراج قطُّ - وما عرفتُ قط سر ذلك منها - فقامت لتفتح باب الخوص لتطلب مني أن أجيء لها بزيت، فغرقتْ يدها في مائع في الدف الذي كان تحتها، فشمته فإذا به زيت، فأخذت الكوز، وملأته بالزيت، فلما امتلأ الكوز، أسرجت الفتيلة، وجاءتْ تنظر موضع الزيت، فلم تر له أثرًا رأسًا، فعلمتْ أن ذلك رزق آتاها الله.
كانت قد فُتح لها من فاتحة الكتاب، إذا أرادتْ أمرًا من أمور الدنيا والآخرة، قرأتْ فاتحة الكتاب، ووجهتها في شأن ذلك الأمر، فينقضي ولا بدَّ، جربنا ذلك عليها مرارًا ونفذ.
كنتُ يومًا عندها، ودخلت امرأة زائرة إلينا شاكية من زوجها، وكان غائبًا في "شريش شَذونَة" على يومين من إشبيلية، فذكرتْ أن زوجها يُريد التَّزوج بذلك البلد، وقد صعب ذلك عليها، وفاطمة تسمع، فقلتُ لها: يا أُمي أما تسمعين ما تقولُ هذه المرأة مِن أَمرِ زوجها؟ فقالت: نعم. فقلتُ: يا أُمي، فادعي لها أن يَردَّهُ اللهُ إليها كما تشتهي. فقالت: ما أدعو، ولكني أبعثُ فاتحة الكتاب خلفه فهي تجيء به. فقلتُ لها: بسم الله. فقرأتْ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ... إلى آخر السورة. ثم قالتْ: يا فاتحة الكتاب، تمشي إلى "شريش شَذُونة" إلى زوج هذه المرأة، وتسوقه في الحال حيثما وجدته لا تؤخره [كذا]. وكان ذلك بين الظهر والعصر، فلما كان ثالث يوم وصل الرجل إلى بيته، فجاءت امرأته وأخبرتنا بوصوله، وشكرتنا، فقلتُ لها: ابعثي لنا بزوجك. فجاء زوجها، فسألناه: ما سبب وصولك من "شريش" بعد عزمك على النكاح والإقامة بها؟ فقال: خرجتُ من البيت بين الظهر والعصر إلى دار الدلّالة مِن أجل الزوج، فبينا أنا في الطريق إذ عُصر قلبي عصرة، وأظلم البلد في عيني، وضقتُ ذرعًا بحمل ما حصل عندي، فخرجتُ من البلد، فما جاء المغربُ إلا وأنا [بَطِرٌ بشأنِهِ]، فوجدنا مركبًا يقلع إلى إشبيلية، فاكتريتُ فيه، وركبتُ أمس، وأصبحتُ اليوم هنا، وتركتُ رحلي وأسبابي كلها بشَريش، وما أدري ما سببُ ذلك.
ورأيتُ لها من الكرامات ما لا أُحصيها كثرة". انتهى.
والصوابُ كما قدمتُ: بطرشانة أي بمدينة بطرشانة. وهي مدينة الرجل المذكور، ومدينة فاطمة بنت ابن المثنى.
وانظرْ هذا الخبر باختصارٍ وزيادةٍ في كتاب "فيض القدير" للمناوي (4/ 420).
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع