مدونة مسعد عامر سيدون المهري


بلاغة الخطاب القرآني في تناول القصة القرآنية في سورة الذاريات

مسعد عامر سيدون المهري | Musaad Amer Saidoon Almahry


16/04/2022 القراءات: 1758  



تحاول هذه الأسطر تناول بلاغة الخطاب القرآني في قصص الانبياء والمرسلين في المقاطع الأخيرة من سورة الذاريات باعتبارها مستهل الجزء السابع والعشرين. والقصة القرآنية بصفة عامة موضوع من المواضيع المهمة التي اتجهت إليها اقلام الباحثين بغرض استخلاص العبرة وأخذ الموعظة والاعتبار بما في الأسلوب القرآني من عظمة في مبانيه ومعانيه. إن المتدبر لهذه الآيات الكريمة التي تبدأ بقوله تعالى (قال فما خطبكم أيها المرسلون..) ليلاحظ بنظرة عامة إلى الجزء.. أنها تعتبر مفتتاحا مباركا، قُدمت الآيات بأسلوب عجيب البناء عجيب الدلالة، تكرر هذا الأسلوب يوقعه الموسيقي وجرس ألفاظه ومحتواه الديني والوعظي من وعد ووعيد في مواضع من سور النجم والقمر ، وأعاد القرآن للأذهان تلك الفوائد التربوية، كما نجد ذلك في سور الطور والرحمن والواقعة، لذا فانها تشكل براعة الاستهلال للجزء عامة بحسب التوصيف البلاغي لهذا النوع من أساليب الخطاب.
تستهل الآيات البينات بالخطاب الذي الذي وجهه ابراهيم عليه السلام للرسل الكرام، بعد امتناعهم من الاكل من الطعام الذي قربه اليهم، وبعد بشارتهم لزوجته بغلام عليم، قال ابراهيم في ذهول: (ما خطبكم أيها الرسلون) هنا وقفة نستفيدها من انواع التفسير، يقرر علماء التفسير ان من انواع التفسير المأثور، تفسير القرآن بالقرآن، وعند هذه الاية الكريمة، يتداخل في اذهاننا ذلك السياق الكريم في سورة العنكبوت، تلك الآيات البينات التي تصور دفاع ابراهيم عليه السلام عن لوط عليه السلام عندما اخبرته الملائكة عن مضيهم لاهلاك القرية المجرمة، انبرى ابراهيم قائلا( ان فيها لوطا) قالوا: نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله اجمعين الآية..  فإبراهيم عليه السلام لما علم أنهم ملائكة أرسلوا لأمر .. قال: فما خطبكم أي شأنكم الخطير الذي لأجله أرسلتم سوى البشارة أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين يعنون قوم لوط عليه السلام لنرسل عليهم أي بعد قلب قراهم عاليها سافلها حسبما فصل في سائر السور الكريمة حجارة من طين أي طين متحجر وهو السجيل وفي تقييد كونها من طين رفع توهم كونها بردا فان بعض الناس يسمي البرد حجارة مسومة معلمة من السومة وهي العلامة على كل واحدة منها اسم من يهلك بها ..وقد جاء التعبير هنا بالظاهر بدلا عن الضمير في قوله تعالى: (مسومة عند ربك للمجرمين) اي مسومة لهم ووضع الظاهر. موضع الضمير ذما لهم بالإسراف بعد ذمهم بالإجرام، وإشارة إلى علة الحكم.
وفي هذا تفصيل لنوع العذاب الذي سينصب على هذه القرية المجرمة، بسبب أفعالهم الذميمة، هذا العذاب والخزي في الدنيا لتذكير الاقوام بقدر الله تعالى ونصره لأولياءه من الانبياء والرسل . ولذا يجد القاريء بعد ذلك سرد شيق يجمع قوة الألفاظ وجرسها وايقاعها، مع قصر الآيات ووحدة الفواصل المتتابعة، تجمع إلى جانب ذلك عمق المعاني وسعة دلالتها، وتكثيف الموعظة والإشارة إلى العبرة. ثم انتقل بنا الخطاب الى الآيات الباهرة في قصة موسى، وتشير الآيات إلى حتمية نصر الحق وأهله، وأن الباطل وإن بدا قويا جبارا ضخما مغريا، سيؤول الى فناء واضمحلال.. فمن الذي في ذلك العصر يتوقع أن يحيق بفرعون ما حاق به؟ وأنهى حياته، وطوى صفحته.. لذا نجد الآيات تخاطب فينا هذا العقل المتدبر (وفي موسى إذ أرسلناه الى فرعون بسلطان مبين) الحديث هنا عن موسى عليه السلام اشارة الى نصر الله تعالى لاولياءه مهما بلغ بهم الضعف، سلب السلطان، وغياب المقومات المادية، وذكرت الاية هنا المعجزات الباهرة التي جاء بها موسىم؟ة كالعصا والبعد البيضاء وغيرها .. ولكن فرعون (تولى بركنه وقال ساحر او مجنون..) قيل فتولى بما يتقوى به من ملكه وعساكره فإن الركن اسم لما يركن إليه الشيء وقرىء بركنه بضم الكاف {وقال ساحر} أي هو ساحر {أو مجنون} كأنه نسب ما ظهر على يديه عليه الصلاة والسلام من الخوارق العجيبة إلى الجن وتردد في أنه حصل باختياره وسعيه أو بغيرهما.. حيث لم يجد فرعون ما يصرف به الناس عن الاستجابة لموسى ودعوته إلا هذه الالفاظ والتهم الجاهزة( ساحر او مجنون) تهم جاهزة كتلك التهم التي توجه للمصلحين والخيرين في هذا الزمان .. وكأن اهل الباطل قد تواصوا بهذه التهم يتوارثونها جيل عن جيل، وقد أشارت سورة الذاريات الى هذا الملحظ. وكأنها تقدم لنا عبر مراحله التاريخ هذه العبارات الفارغة التي يعتقد فيها اهل الباطل قوة سلطانها بصرف الناس عن المصلحين والدعاة والامرون بالمعروف والناهون عن المنكر (كذلك ما اتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر او مجنون .. أتواصوا به .. بل هم قوم طاغون..)
نعم هم قوم طاغون متجاوزون الحق في طغيانهم وصلفهم وتعديهم وغمطهم للحق.. لذا كان النكبة لفرعون وجنوده.. كما كانت النكبة لقوم عاد وثمود، ومن قبلهم قوم نوح ..
ان هذا السرد معجز لذيذ الوقع على القلوب والاسماع، حافل بالعظات والعبر، يسري الى القلوب فيملأها خشوعا ويزيدها ايمانا، والى العقول فيزيدها تفكرا وتدبرا.. فحري بنا ان ننهل من فيض هذا المحيط العباب لتستقيم النفوس والأحوال ..




الخطاب، القصة، الذاريات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع