يجد القارئ، بين دفتي هذا الكتاب، دفاعا عن علم البلاغة في مقالة عنوانها "علم البلاغة بنك الناقد الأدبي"، أتناول فيه مفهوم البلاغة تناولا يكشف ارتباطه بالجمال، ويفضي إلى القول بأن علم البلاغة هو بحث في جمال الكلام أيا كان جنسه ونوعه، وأن العرب قد وضعوا لأجناس الكلام التي عرفوها علما ما زلنا ننهل من رصيده بكرة وعشية، وأن علينا نحن أن نضيف إلى هذا العلم ما يُثريه ويواكب به المستجد، لا أن نزعم أن البلاغة علم قديم، ولى زمانه وفقد القدرة على الاستمرار !
ويجد في المقالة الثانية قراءتين مختلفتين لأكبر أصول البلاغة العربية، وهو القرآن الكريم؛ حيث يطالعنا الناقدان الكبيران عبد القاهر الجرجاني وسيد قطب، وهما يبحثان في سر الإعجاز، بنظريتين عظيمتين لا في البلاغة القرآنية فحسب، ولكن في البلاغة الأدبية عموما، وهما: نظرية النظم، ونظرية التصوير الفني. وسيجد القارئ أن البلاغة القرآنية قد جمعت حقا بين براعة النظم وبراعة التصوير، وأن البلاغة الأدبية لا تبلغ أعلى منازلها إلا بالجمع بين البراعتين، وأن الجرجاني نفسه قد جمع بينهما في كتابيه الخالدين "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة".
ويجد في المقالة الثالثة، "المنعطف البلاغي مع عبد القاهر الجرجاني"، بيانا وافيا لأثر الجهد العلمي النفيس الذي بذله عبد القاهر الجرجاني في التأسيس الفعلي لعلم البلاغة، وتحليلا شافيا لجملة القضايا الجوهرية المتعلقة بهذا العلم، لاسيما جدلية الشكل والمضمون (أو اللفظ والمعنى)، وعلاقة النحو بالنظم وأثره في صناعة الجمال، والأثر التأسيسي الكبير لعبد القاهر في وضع علم المعاني وعلم والبيان.
وينعطف في المقالتين الرابعة والخامسة إلى أصل آخر من أصول البلاغة العربية، وهو الحديث النبوي الشريف، حيث سيجد في المقالة الموسومة بـ "الحديث النبوي الشريف معيارا للبلاغة" تأصيلا نظريا وتطبيقيا لأسرار البلاغة من خلال أحاديث أبلغ البلغاء، وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ويجد في المقالة الموسومة بـ"بلاغة الإقناع في الحديث النبوي الشريف" أنموذجا عاليا لما صار محل احتفاء من قبل البلاغة الجديدة، وهو الإقناع، حيث نتخذ من مهارة استثماره أسلوب التمثيل أنموذجا لبلاغته صلى الله عليه وسلم في إقناع المخاطب.
عبد الملك بومنجل | abdelmalek boumendjel | 11289