مدونة ا.د.عبد المنعم محمد حسين حسانين


الإنسان المعاصر : الحائر بين هشاشته النفسية وضعفة في مواجهة الحروب الافتراضية

ا.د.عبد المنعم محمد حسين حسانين | Prof.dr.Abdelmonem Mohamed Hussien Hassaneen


20/06/2023 القراءات: 1392  


مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي –اليوم- تبرز العديد من التساؤلات لعل من ابرزها ما يلى :-
1-لماذا صرنا – اليوم - أضعف وأكثر عرضة للكسر؟ أي صرنا اكثر هشاشة عن ذي قبل ؟
2- كيف تنتشر الفردانية في العالم العربي؟- واصبحنا اليوم نعيش عصر الأنا
3-هل الشر «لا يحتاج إلى وحوش شيطانية، بل لما هو أدهى وأشد خطورة، يحتاج إلى الحمقى والأغبياءء من البشر ؟ مما يكرس ويعمق في تقوسنا اليوم مبادئ نظرية " تفاهة الشر"؟
4-هل نتوقع أن الجموع من البشر تخفي خلف تخليها عن مدنيتها كائنات وحشية متطرفة متعطشة للدماء؟
مثل تلك الأسئلة وغيرها كثير تدعو للتأمل في واقع " الإنسان المعاصر" اليوم الذى أصبح حائرا حيث انه يشعر في قرارة نفسه أنه ضعيف نفسيا ويعانى من أعراض مرض الهشاشة النفسية والتي قد تكون من أسبابها عوامل عديدة شخصية واجتماعية وتقنية ولعل العوامل التقنية خاصة مع انتشار وسائل وأساليب تكنولوجيا الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي الذى أصبح الإنسان المعاصر أسيرا لها منها يتلقى الأحكام والقيم المغلوطة التي تسببت في تدميره نفسيا والذى جعلته يرغب من داخله بدافع يدفعه لتدمير غيره والذى يجعله دائما بينه وبين نفسه يسأل نفسه ذلك السؤال :
ما الذي يجعلني أرغب بتدمير الآخر اليوم؟
قد يُطرح مثل ذلك السؤال نفسه ليس على مستوى الفرد فحسب بل وعلى مستوى الدول حيث نلاحظ اليوم كثير من الدول تسعى لتدمير دول أخرى .. وقد يطرح ذلك السؤال وسط الفوضى المشتعلة والحروب الترا شقية افتراضيًا هنا وهناك والتي تشارك فيها منصات التواصل الاجتماعي والتي أصبحت ساحة خصبة لاشتعال تلك الحروب بين الأفراد بل وبين الدول وبين بعض الجماعات التي لها أغراض خاصة تسعى لتحقيقها على حساب غيرها من الجماعات والأفراد وتجند لذلك كتائب إلكترونية لشن حروب بينها وبين من يخالفها الرأي لفرض ما تريده من أفكار وتلك الكتائب الإلكترونية أشبه بجراثيم إلكترونية تنتشر بين الأفراد فتزيد من هشاشتهم النفسية ويصبح الفرد بذلك في ضوء ضعف هشاشته النفسية غير قادر على مواجهة تلك الحروب الافتراضية ويصبح الإنسان المعاصر حائرا بين ضعفه في مواجهة تلك الحروب الافتراضية وبين هشاشته النفسية .
يقدم الألماني إيريك فروم تفسيرا لذلك الواقع الذى يعيشه " الإنسان المعاصر " اليوم ففي مبحثه الضخم الذي حمل عنوان «تشريح التدميرية البشرية»يميز بين نوعين من العدوان التدميري للكائن البشري.يمثل الأول العدوان غير الخبيث الذي يكاد يتشارك فيه الإنسان على امتداد مراحل تطوره التاريخي مع سائر الكائنات الحية التي تتخذ سلوكًا دفاعيًا عندما تواجه أي خطر يهدد حياتها. أما الثاني فيتناول العدوان الخبيث ذلك الذي يأتي بشكل غير مبرر، وهو ما يحاول فروم سبر أغوار نشوؤه وتطوره ضمن مراحل تطور الكائن البشري، الذي انتحى سلوكًا عدوانيًا دون الحاجة الفعلية لذلك.


ويلمس فروم في بعض هذه الأمثلة نشوء وتطور الدافع الخبيث للعدوان: المفهوم الجمعي الذي خلق شعورًا كامنًا بالتهديد والخوف من الانتهاك من جماعات مقابل جماعات أخرى.لكنه أيضًا لا يغفل عن التشريح الفردي لإنسان العصر الحديث. فيستعرض أمثلة عن أسباب الجنوح الفردي للعدوان الخبيث، والذي يمثل أكثرها إثارة للانتباه الإشارة إلى «الطبع النيكروفيلي»، والذي يعرفه فروم «بالانجذاب العاطفي إلى كل ما هو ميت ومتفسخ ومتعفن وسقيم. إنه الشغف بتحويل ما هو حي إلى شيء غير حي، وبالتدمير من أجل التدمير والاهتمام الحصري بما هو ميكانيكي خالص والمتمثل بالشغف التفكيكي للبنى الحية.ورغم قسوة التعريف، يمضي فروم بعدها في الإشارة إلى فكرة الطبع النيكروفيلي غير الواعي. ويعزي ظهوره إلى إفرازات التقنيات الحديثة التي سهلت ضمنيًا أفكارًا مثل الإبادة والقتل والاجتثاث في فترات النزاعات الذي أنتج أفرادًا لا يؤمنون إلا بالحل القوي الحاسم، بدلًا من صوت الحوار التشاوري للتقصي من ضرورة العدوان أو عدمه.ولعلنا نرى اليوم التسابق والتنافس بين منصات التواصل الاجتماعي وكأنه سبق صحفي نادر لهذه المنصة او تلك أن تعرض وتتداول فيما بينها صور الجثث والموتى والأوصال المتقطعة والأجساد المتفحمة لكافة الكوارث، دون فلترة أو مراعاة لعمر الفئة المتلقية أو مراجعة مشروعية عرض مثل هذه الصور وتأثيرها الفعلي على المدى البعيد. وأصبحت تلك المنصات أرض المعارك المسلحة.نكاد نشهد اليوم بثًا مباشرًا لكافة النزاعات المسلحة عالميًا بكل ما تفرزه من بشاعة، مع تداول هذه الإفرازات المتنوعة كسبقٍ معلوماتي يصلك دون رغبة منك ودون فاصل مُدرك بين المنصات المتخصصة وغيرها، ودون مراجعة لتلك المنصات التي استباحت عرض هذه الفظاعات التدميرية. حيث أصبح التغذي على مثل هذه الصور التي تُبَث كنتائج فعل تدميري ضخم أمرًا شبه يومي وعادي، بل أصبح للتلويح بالاقتصاص من الآخر بنفس النبرة التدميرية مبرراته المستساغة لدى الكثير من الأفراد.ما الذي ينتج عندما نجمع بين الانسحاب الطوعي من الخيار المدني وتفاهة الشر والطبع النيكروفيلي غير الواعي؟ وما الذي يتعين علينا عمله حتى نفهم الفوضى التدميرية الافتراضية الحالية؟ مع الأخذ بالاعتبار الدوافع التي لا تلخص كل ما نشهده من تراشقات، ولكنها محاولة للإمساك بطرف الخيط لإنسان المنصات الحديثة، وما يقوده لخيارات تطرفية رغم وفرة الخيارات اليوم على الأرض وفي الإنترنت.
ولعل من المناسب هنا أن نختم باقتباس من فروم جاء في خاتمة بحثه التشريحي للتدميرية البشرية:ثبت أن الأمل في أن يأتي ازدياد التقدم بالسعادة والخير هو وهم بالنسبة إلى معظم الناس الذين واتتهم الفرصة ليدوقوا طعم الفردوس الجديد، ولكنني أعتقد أنه ثمة دائما مسوغ للأمل. على اعتبار أن الأمل في التغيير الجوهري هو الإجابة الأولى لأي سؤال بحثي مطروح حول السيكولوجيا البشرية المتوحشة اليوم.


الهشاشة النفسية - الحروب الإقتراضية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع