مدونة مسعد عامر سيدون المهري


رجل تمنيتُ أن ألقاه .. في رحيل شيخ الشعر العربي عبد العزيز سعود البابطين

مسعد عامر سيدون المهري | Musaad Amer Saidoon Almahry


15/12/2023 القراءات: 801  


منذ بداية وعيي بالثقافة واللغة والأدب في نهايات الثانوية ومطالع الجامعة، كنتُ أتلّقى على مائدة مجلة التي العربي التي تصل إلينا بعد لأي مادة الأدب والثقافة مثل حسو الطير، ذلك قبل أن تفرش الطريق بالخط الاسود، أو تخترق الجبال أنفاقا، أو تعبد الرمال جسورا وممرات. تعرّفت على هذا الشخص عبر صفحاتها الغراء، وقرأتُ أنشطته واسهاماته في الثقافة العربية، وخصوصًا في مجال الشعر، كانت مجلةُ العربي تُقرِنُ الخبرَ بالصّورة، فشعرتُ حينها أنّي قريبٌ منه، بل إنه يعرفني.  لم يدر في خلدي أنّي اغتربُ إلى دولته، ولكنّي كنتُ معجبا به ايّما اعجاب، فما أن ألمح صورته في عدد حتى اقرأ عنه في ذلك المقال بشغفٍ وحب. كم تحدثتُ عنه في مجالس كثيرة !  لكن للاسف لا يعرفه احد في تلك المجالس العادية في القرية البعيدة، فألود بالصمت وفي راسي ذلك البيت الشهير لعمر بن أبي ربيعة على الرغم من بعد السياق: فحييتُ إذ فاجأتها فتولّهت ..وكادت بمكنون التحية تجهر مرت اعداد كثيرة وصفحات أكثر ، وكان يبرز بين عدد وعدد مقالٌ مشيدٌ بما أنجز ، وما حققه في مسيرته العلمية والشعرية،  حقًّا لقد أبهرت أفعاله المعاصرين ودخل حبه في قلب الشداة المتطلعين. على سبيل قول أبي العلاء: وإني وإن كنتُ الأخير زمانه        لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ وإن كانت ثم بهجة، فهي تلك البهجة التي اعتلت سرائر وجهي وقسماته، وفرحتي التي اكتست معالم فكري وشعوري، بذلك المقال وأنا اقرأ منه على شاطئ البحر العربي عن عربي جمع الشعر العربي في مبنى شهير، وقصر كبير، ذلك المقال الذي يتحدث فيه الكاتب عن مكتبة المركزية البابطين للشعر ، التي تعلّق بها القلب من حينها على رغم المسافات والحدود والفواصل . مرت أعوام وفاجأني أحد الأقرباء بدعوة لزيارة الكويت والعمل هناك، لم اصدق في البداية، بيد أن الامر بدأ جدا ، وهاجرت. وحين فكرت في الدخول في عالم الدراسات العليا، أعوزتني المراجع والمكان المهييء للبحث والقراءة، حينها وجدت نفسي في شارع من شوارع الكويت يؤدي إلى مكتبة البابطين المركزية للشعر! لم تصدق عيناي ما رأتا، تفحصت في اللائحة مرة أخرى .  ثم وسلكت في ذلك الدرب حتى وجدت نفسي في عرصات مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي.  ولجتُ إليها فرأيتُ جمهرةً من الشعراء معلّقة صورهم على حيطان المبنى مرسومة بألوان زيتية، شعراء من مختلف أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، هذا البياني، وهذا البردوني، وهذا احمد شوقي واضعا كفه على خده، وهذا الاخطل الصغير وغيرهم .. صور تناديك وتهتف بك، وحين أرتقيتُ إلى القسم الخاص بالشعر هنالك وجدتُ نفسي ذلك الفتى المعجب بالشعر العربي المفتون بقريضه، الذي يهيم في صحاري محافظة المهرة أخذا بنسخة ديوان أو قصة من قصص الزير سالم أو نحوه ، أو نسخة من مجلة العربي .. لكن هنا سكونٌ يشبه الخشوع، أنها هيبة الشعر بجماله وجلاله . وفي باحة المكتبة تدلّت أبيات خالدة حاكها خيال الشعر،فافضت بما في سريرته من عزم وجد وشغف بخدمة الشعر، كلما دخلت المكتبة قراتها وكأني اسمع لهذا الرجل الذي لم تره عيني ، بل نقش حبه في قلبي :  سيذكر أهل الشعر والشوق أنني       عملت بما أوتيت من سعي جاهد أعيد لبيت الشعر حلو رنينه              وسحر القوافي في البيوت الشوارد  مرت أعوام الدراسات وانا اعتكف في هذا الدير الشعري الساعات والساعات، حتى ظن الموظفون اني مثلهم موظف في المكتبة، وأنهيت مناقشة الماجستير ، ودخلت في الدكتوراه المرحلة الأصعب ، ولكني أجد نفسي خليا من كل شيء مكبا على الكتاب في العشي ، وغداة الاسبات في أروقة ذلك الصرح الشامخ حتى تمت المناقشة، وبقيت عادة البحث دأب نفسي وبقيَتْ مكتبة البابطين واحة نفس هائمة في بحار الشعر .  هذا العلم الذي كم أتمنى أن ألقاه، تلقيت خبر رحيله بقلب حزين، وشعور آسٍ، أنه الشيخ عبدالعزيز سعود البابطين، وهو شاعر وأحد أعلام الثقافة العربية صنع لنفسه مكانة مرموقة وحصل على العديد من الأوسمة من زعماء دول العالم وشهادات الدكتوراه الفخرية تقديرًا لجهوده الأدبية والثقافية والتعليمية، ومنها مؤسسة جائزة عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري.


رحيل ، الشعر ، اللقاء


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع