مقالة الأمل ما بعد الألم
06/03/2024 القراءات: 1022
صفحات يطويها الزمان من حياتنا لتصبح ماضيًا من ورائنا ذهب واندثر ليبقى ذكرى نتذكره بإرادتنا أحيانا وعن طريق الصدفة أحيانا أخرى ، لقد أنعم الله على البشر بنعم كثيرة لا تعدّ ولا تحصى وما يلبث أحدنا أن يمسّ بمكروه حتى يعرف ويقدّر ثمن تلك النعم التي لا تباع ولا تشترى ولو بمال الدنيا مهما عظم ، فما أغلى صحة الانسان وعافيته عليه والتي تمثل أساس الصمود لمجابهة مصاعب الحياة التي تتجدد وتتغير مع مرور الزمن واندثار الأيام فمنها ما يكسر الظهر بل يشله لثقلها ويحتاج الى أناس أقوياء يملكون دروعا قوية ليكوّنوا حصنا متينا لكل رياح أو عاصفة عاتية تواجههم ، فيصمدوا ويثابروا ويحاربوا من أجل التغلب على كل عقبة تحاول إفشالهم أو تهدد حياتهم ولكن بالمقابل نرى أشخاصا ضعفاء البنية لا يستطيعون أن يواجهوا العثرات والصعوبات التي تحاول أن تسدّ طريقهم فيستسلموا خاملين .
إنّ لأصحاب الإعاقات الجسدية لدور كبير في إبراز وشرح تلك الحالات التي نراها في كل مكان حيث ذهبنا ، فكم تألمت تلك الأمّ عندما عرفت بإعاقة مولودها وكم كان صعبا عليها أن تتقبل الحالة الجديدة الصعبة في عائلتها ولكنها قررت في قرارة نفسها أن تثابر وأن تحيا من أجل وليدها الضعيف وأن لا تتركه ضعيفا أبدا بل ستحاول بقصارى جهدها أن تقويه وأن تدفعه إلى التميز والتطوّر ... ساندتها عائلتها ، زوجها ، وأبناؤها الآخرين وكانوا خير سند لذلك الصغير الذي كبر وترعرع في حضن دافىء داعم ومشجع كما هو باعاقته ومحدوديته فقد حاول أن يطوّر ما لديه من قوى تمّ ايقاظها وتبنيها ، فاستطاع أن يكوّن له حياة هادئة موفقة ليصبح فردا مفيدا لمجتمعه ، معطاء ولو كان عطاؤه محدودا وفق قدراته ولكنه تميّز وارتقى ليلمع كالشهب المنيرة .
أمّا تلك العائلة التي ناحت وصاحت حين عرفت بدخيل معاق جديد جاء ليقتحم عالمهم السوي الارستقراطي غير العادي ، لم تتقبل ابنها بل رفضته وتجاهلته جانبا و أبعدته بعيدا في مكان لا يعرفه أحد فكم من الصعب على تلك العائلة أن تحتوي فردا ليس كالآخرين ، فاختارت طريق اخفائه وابعاده لتتجنب أيّ احراج أو ثقل سيجنونه من وراء ذلك الوليد المعاق الذي لا حول له ولا قوة فهو مخلوق ابتلاه الله بصحته علّه يكون عبرةً لغيره من بني البشر فيتذكروا نعمهم التي انعمها الله عليهم فيخروا ساجدين أو حتى شاكرين .
مجتمعنا يعاني الألم ليحقق ذلك الأمل المنشود ولكن في الحالتين هناك ألم ويبقى الأمل معلقا في اختيار صاحبه له وعدم انصياعه لرغبات المجتمع الظالم وآرائه المختلفة التي لا تعتمد على ثوابت وحقائق فكلٌّ يفسّر ويحلل بطريقته دون حدّ أو قيد ، يقرر مصير شخص ضعيف لا يملك سوى أن يقول " أعطوني أملا بعد كل الألم الذي أمرّ به ..."
حبذا لو كنا مجتمعا ايجابيا يدفع بأفراده - مهما كانوا أصحاء أو معاقين- إلى برّ الأمان وشاطىء النجاة الذي سيقودنا إلى جنة النعيم لمن طمح واجتهد وضمر في نفسه أن يتطور ويطوّر وأن يحافظ على الأمانة التي ائتمنه عليها الخالق جلّ علاه فيأمل ما بعد الألم .
مقال ادب خواطر
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة