مدونة بروفسور دكتور. وائل أحمد خليل صالح الكردي
قاعدة التحويل المنطقية في النحو العربي
أ.د. وائل أحمد خليل صالح الكردي | Prof.Dr. Wail Ahmed Khalil Salih AlKordi
02/12/2019 القراءات: 2314
قاعدة التحويل المنطقية في النحو العربي
د. وائل أحمد خليل الكردي
إن التحولية النحوية في العربية هي ذات خصوصية فريده وأنها تتميز عن التحويلية في أي من اللغات الأخرى ، وذلك بما يلفت انتباهنا إلى أن البنية البلاغية للغة العربية في مختلف عهودها هي بنية تعمل على تهيئة العقل البشري بصورة تنموية مستمرة على خاصية التخيل الإبداعي، وهو ما كان أمراً لازماً لملئ القصصية الشعرية في القصائد العربية بجملة من المعاني الغنية وضروب الاجناس الدلالية التعبيرية.
ولعل البنية الباطنية للغة في خاصية (المحذوف-التقديري) التي يتم الحديث عنها لدى كثير من النحاة كشكل من أشكال التحويل في النحو العربي، أن تكون هي من أكبر العوامل التدريبية للذهن على خلق الصور التعبيرية الإبداعية. ويلاحظ ذلك في الأبنية المنطقية للسياقات النصية في الفنون الأدبية حيث ترد مقدمة أو رأس الموضوع ثم يتم إخفاء الوقائع التفصيلية ثم يتم إيراد النتيجة، فيكون ما بين المقدمة والنتيجة مادة يعمل الذهن فيها على استجلاب أو استدعاء أو تقدير الوقائع المحذوفة. وهذا ما يضفي بعداً حيوياً بارزاً على النص الإبداعي بما يلامس (العقل الانفعالي) Mind كما يلامس (العقل الحسابي) Reason وذلك بخلاف ما تعطيه لغات أخرى لنفس الموضوع ولكن بصيغة القول المباشر المكتمل الوقائع بنحو جاهز كما هو مستعمل في كتابة التقارير وهو ما يعمل فقط على مستوى العقل الحسابي دون العقل الانفعالي . ويمكن الاتفاق حول أربع وظائف تحققها التحويلية اللغوية العربية في (المحذوف-التقديري).
1/ تنمية الملكة التخيلية الإبداعية وفعلها في إثراء المعاني على اتجاهات متعددة وربما مختلفة.
2/ تحديد الانتباه وتوجيهه نحو الفكرة الأساسية ألتي تكون هي مقصد النص دون الالتفات كثيراً إلى تفاصيل العلامات Signs التي تمثل وقائع ليست موضع الطلب المهم في الفهم.
3/ تشديد قوة الانفعال بالمطلوب وليس فقط إدراكه.
4/ اشتمال اللغة العربية على خاصية الاتساع الدلالي في استيعاب المكتشفات الكونية المستمرة دون الحاجة إلى الانتقال إلى شكل لغوي جديد تماماً بفعل التداول المتفاعل مع هذه المستجدات على نحو ما تم في شأن اللغات اللاتينية واليونانية.
ومن الممكن أن نلحظ في القرآن الكريم استعمالات عديدة بنحو قوله تعالى (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) (البقرة 98)، يُفهم من حذف الوقائع التشديد على الحكم الغائب نصاً والذي يمكن أن يقع استنباطاً وهو (أن أعداء الله وملائكته ورسله وجبريل وميكال هم الكافرين).
كما أنه كثيراً ما يغيب خبر (لو) غي القرآن الكريم سيما في حالة مقصد التهديد أو الوعيد على مثال قوله تعالى (ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعاً ...) (الرعد 30)، فحذف خبر (لو) حقق الأغراض التحويلية الأربعة السابق ذكرها، فهذا من شأنه أن يقوي ملكة الاستنباط والتوليد في اكتشاف السُقُف الدلالية التأويلية في آيات القرآن الكريم ومدى عمقها، وأيضاً في تعيين الأبعاد الدلالية المتسعة في تفسير أي نص روائي أو شعري أو حتى علمي وبحثي.
التحويلية ، العقل الحسابي ، العقل الانفعالي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع