القيم الجمالية في الإسلام
هيبة بوربعين | wahiba bourabaine
15/06/2021 القراءات: 3175
الجمال في الإسلام أصل أصيل، سواء من حيث هو قيمة دينية، عقدية وتشريعية، أو من حيث هو مفهوم كوني، وكذا من حيث هو تجربة وجدانية إنسانية. ومن هنا كان تفاعل الإنسان المسلم مع قيم الجمال ممتدّا من مجال العبادة إلى مجال العادة، ومن كتاب الله المسطور إلى كتاب الله المنظور، ممّا خلّد روائع من الأدب والفنّ الّتي أنتجها الوجدان الإسلامي في قراءته الراقية للكونين وسياحته الرائعة في العالمين؛ عالم الغيب وعالم الشهادة !
والجمالية الإسلامية تنبع أوّلا من حقائق الإيمان، إذ تشكّل الوجدان الإنساني فيها ممّا تلقاه من أنوار عن رب العالمين، الرحمن الرحيم، وما انخرط فيه بعد ذلك، سيرا إلى الله عبر أشواق الروح، مبدعا باتباع تعاليم نبيّه ، أروع ألوان التعبير الجمالي، من سائر أشكال العبادات والمعاملات والعلاقات، انطلاقا من حركته التعبدية في جمالية الصلوات ولوحاتها الحية الراقية وما ينظمها من عمران روحي ومادي ، إلى هندسة المدائن الإسلامية بما تحمله من قيم روحية سامية، وقيم حضارية متميّزة جدا، إلى سائر النشاط الإنساني الذي أبدعه المسلمون في علاقتهم بربّهم وعلاقتهم بأنفسهم وبغيرهم، إلى علاقتهم بالأشياء المحيطة بهم، بدءا بالمسخرات من الممتلكات والحيوان، إلى المحيط الكوني الفسيح، الممتدّ من عالم الشهادة حولهم إلى عالم الغيب فوقهم... كل ذلك تفاعل معهم المسلم، فأنتج أروع الأدوات التعبيرية والرّمزية، ممّا لا تزال تباريحه المشوقة بالمحبة، من الترتيل إلى التشكيل تفيض على العالم بالجمال والجلال أبدا.
يقول (زكي نجيب محمود): « الإنسان العادي من جمهور الناس، إذا عرف في حياته الجارية كيف يفرق بين ما هو جميل وما هو قبيح فيما يحيط به من أشياء، فإنّه مع معرفته تلك، يظل بعيدا أشدّ البعد عن القدرة على بيان الأسس الّتي إذا توافرت في شيء ما، كان ذلك الشيء جميلا، وإذا غابت عن شيء ما، كان ذلك الشيء مسلوب الجمال، بمقدار ما غاب عنه من تلك الأسس، وقد يحدث هنا أن يتصدّى للمشكلة مفكر موهوب في عمق التفكير ودقته، فيتناول هذه التفرقة بين الجمال والقبح، حتّى يصوغ أسسها ومبادئها وشروطها، وعندئذ يقال عن مثل هذا المفكر: إنّه فيلسوف، كما يقال عما يكتبه في هذا الموضوع : إنّه (فلسفة الجمال)، ولنلحظ هنا أنّ عملية النقد في مجال الفنّ والأدب، إنّما هي فرع يتفرّع عن (فلسفة الجمال)، ولذلك فقد يختلف النقاد في الأساس الذي يقيمون علليه نقدهم، باختلافهم في المذهب الفلسفي الذي يناصرونه».
لقد استطاعت الفلسفات القديمة أن تصل إلى قناعة بأنّ القيم الثلاث (الحق – الخير – الجمال) هي القيم الكبرى في الوجود، وأنّه تحت مظلة هذه القيم الكبرى تندرج القيم الإنسانية جميعا فروعا لها ، وقيمة (الخير) تلك تنبثق من التفرقة بين ما هو رذيلة وشرّ، وبين ما هو فضيلة وخير، هذا التفرقة يقوم بها مفكر موهوب – طبقا للتصوّر الفلسفي – يتميّز بدقة التحليل، ونفاذ البصيرة، فيصوغ تلك الأسس الّتي على وجودها تبنى الفضيلة، وعلى غيابها تبنى الرذيلة، فإذا تحقق لذلك المفكّر ما أراده، عددناه فيلسوفا، وعدد مما كتبه (فلسفة الأخلاق).
الحق والخير والجمال، إذن، هي القيم الثلاث الكبرى في الفلسفات القديمة، وهي صناعة عقلية بشرية بحتة، ترعرعت في ظل التجربة والتاريخ والأحداث. يقول محمد قطب في منهج الفنّ الإسلامي: « إنّ كلا من الفنّ والدين يعبر عن الحقيقة الكبرى، كما يقول: إنّ القرآن يوجّه الحس البشري للجمال في شيء، وإنّه يسعى لتحريك الحواس المتبلّدة لتنفعل بالحياة في أعماقها، وتتجاوب تجاوبا حيا مع الأشياء والأحياء، وهنا يلتقي الفنّ بالدين....
« والفنّ الصحيح هو الذي يهيئ اللقاء الكامل بين الجمال والحق، فالجمال حقيقة في هذا الكون، والحق ذروة الجمال، ومن هنا يلتقيان في القمّة الّتي تلتقي عندها كل حقائق الوجود »
الجمال، الوجدان ، المحبة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
جميل جدا
شكرا لكم
جمال يتحدث عن الجمال .. كل الشكر
أنا سجلت ا ليوم في المدونة فقط لأعلق .. لم تطاوعني نفسي أن أذهب دون أن أترك أثراً لمن ترك في أثراً .. أكرر شكري وتقديري
شكرا لكم جميعا