حقوق الإنسان في الخطاب النبوي
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
14/07/2022 القراءات: 2984
الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
وبعد: فأشكر منصة أريد على هذا الملتقى (ملتقى العلماء لنصرة خاتم الأنبياء)، وعلى إتاحة الفرصة للحديث عن حقوق الإنسان في الخطاب النبوي؛ لنرى فضل السُّنة على الإنسان في تعريفه بحقوقه في هذه الحياة، وما بعد هذه الحياة.
وبعدُ مرةً أخرى: فالحقوق جمع حق، وهي لفظة تكرَّرَ ورودُها في السُّنة النبوية بمعناها الذي نفهمه، وهو الواجب المستحق الذي للإنسان أنْ يطالب به، ومن حكمة السُّنة الأمرُ بإيفاء الحقوق إلى أصحابها من غير حيف ولا جنف، جاء هذا في مقولة سلمان الفارسي رضي الله عنه التي صدقّها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ لنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كلَّ ذي حق حقه"، وهذه حكمةٌ رفيعةٌ، شاملةٌ لجميع الالتزامات: التي لنا، والتي علينا.
والحقوقُ تشمل الواجبَ تحصيله لنا، والمندوبَ كذلك.
وهذه جولة في رحاب تلك الحقوق:
-حق الإنسان في العدالة المطلقة والعيش الآمن المستقر:
وفي هذا أخبرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ربِّ العزة أنه قال: "يا عبادي إني حرَّمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا"، وهذا خطابٌ يجلجلُ في الآفاق، وهو نداء إلى العباد جميعًا أن لا يَظلم بعضُهم بعضًا.
***
-حق الإنسان في السكن، والكسوة، والمتاع الضروري:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجِلف الخبز والماء". رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.
قال الهروي: الجلف المراد به هنا: وعاء الخبز كالجَوالق والخُرج.
والحديث لا ينفي سائرَ الحقوق، ولكنه جاء بهذا الأسلوب لذكر أهمِّ الحقوق... واليوم قد تكون هذه الحقوق أمانيَّ يتمنّاها الإنسانُ، وهي في الحقيقة حقوق.
***
-حق الإنسان في المركب، والمأكل:
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن كان معه فضلُ ظهرٍ فليعدْ به على مَن لا ظهر له. ومَن كان له فضلٌ مِن زاد فليعد به على مَن لا زاد له". فذكرَ مِن أصناف المال ما ذكرَ حتى رأينا أنه لا حق لأحدٍ منا في فضل. رواه مسلم.
***
-حق الإنسان في حماية ممتلكاته:
جاء هذا في الترهيب الشديد من الاعتداء عليه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب اللهُ له النار وحرم عليه الجنة. فقال رجلٌ: وإنْ كان شيئًا يسيرًا؟ فقال: وإنْ قضيبًا مِن أراك". رواه مسلم.
وهذا الترهيبُ العظيمُ يُظهر بوضوحٍ ما بعده وضوحٌ حقَّ المرء في حماية ممتلكاته، مهما كانت ولو سواكًا (ولو فرشاة أسنان).
***
-حق المرأة بصفتها "أمًا" في البِرِّ، ومِن ذلك إجابة ندائها، والمسارعة في ذلك:
ومن المعلوم حديثُ جريج وكيف نادته أمُّه ثلاث مرات في ثلاثة أيام وهو يصلي فلم يجب. متفق عليه.
قال النووي في "شرح مسلم": "فيه عظمُ برِّ الوالدين، وتأكدُ حق الأم، وأنَّ دعاءها مجاب، وأنه إذا تعارضت الأمورُ بُدِئ بأهمِّها".
***
-حق الإنسان بصفته "زوجًا":
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "ألا إنَّ لكم على نسائكم حقًا، ولنسائكم عليكم حقًا، فحقكم عليهن: أنْ لا يُوطئن فرشكم مَن تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون". رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
***
-حق المرأة بصفتها "زوجة":
عن معاوية بن حَيْدة قال: قلتُ: يا رسول الله ما حقُّ زوجة أحدنا عليه؟
قال: "أنْ تطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت".
قال النووي في "رياض الصالحين": حديث حسن، رواه أبو داود، وقال: "معنى "لا تقبح" أي لا تقل: قبحكِ الله".
***
-حق اليتيم، والمرأة، بالرعاية التامة، وعدم هضم حقهما:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أُحرّجُ حقَّ الضعيفين: اليتيم والمرأة". حديث حسن، رواه النسائي بإسناد جيد.
قال النووي في "الرياض": "ومعنى "أُحرّجُ": أُلحقُ الحرجَ -وهو الإثم- بمَن ضيَّع حقهما، وأحذِّرُ مِن ذلك تحذيرًا بليغًا، وأزجرُ عنه زجرًا أكيدًا".
***
-حقوق الإنسان المسلم الاجتماعية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حقُّ المسلم على المسلم خمس:
رد السلام.
وعيادة المريض.
واتباع الجنائز.
وإجابة الدعوة.
وتشميت العاطس". متفق عليه.
وذكرُ (خمس) لا يعني الحصر، ففي روايةٍ لمسلم: "حق المسلم على المسلم ست:
إذا لقيتَه فسلِّم عليه.
وإذا دعاك فأجبه.
وإذا استنصَحكَ فانصحْ له.
وإذا عطس فحمد الله فشمِّته.
وإذا مرض فعده.
وإذا مات فاتبعه".
ففي هذا الحديث زيادةُ حق المسلم في إخلاص النصح له.
وعن البراء بن عازب: أمرنا رسولُ الله بسبعٍ، ونهانا عن سبعٍ:
أمرنا بعيادة المريض.
واتباع الجنازة.
وتشميت العاطس.
وإبرار المُقسِم.
ونصر المظلوم.
وإجابة الداعي.
وإفشاء السلام".
وفي هذا الحديث زيادة حقيّن:
إبرار المُقسِم. أي إذا أقسم عليك أخوك فمِنْ حقه أنْ تبرَّ قسمه ولا تحنثه.
وأنْ تنصره إذا وقع عليه ظلم، بما تتمكن من أنواع النصرة: أنْ تشهد له، وأنْ تقف معه، وأنْ توصل صوته إلى مَن لا يستطيع الوصول إليه، وهكذا.
***
-حق الإنسان بصفته جارًا:
الآياتُ والأحاديثُ في ذلك كثيرة، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُورِّثه". متفق عليه.
أي حتى ظننتُ أنه سيكون له حقٌّ في أنْ يرث مِن جاره إذا مات، كما يرثُه أهلُه.
***
-حقوق المارّة:
الطرقُ مشتركةٌ، وقد بينت السُّنة أنَّ للطرق حقًا، والمقصود من الطرق الطّرّاق وهم المارّة.
قال عليه الصلاة والسلام: "أعطوا الطريق حقه.
قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟
قال:
غض البصر.
وكف الأذى.
وردّ السلام.
والأمر بالمعروف.
والنهي عن المنكر". متفق عليه.
فللمارِّ -رجلًا أو امرأة، ولاسيما المرأة- حقٌّ أن يُغَضَّ البصر عنه، وأن يُكَفَّ الأذى عنه، وأن يُردَّ عليه السلام، وهكذا.
***
يتبع
حقوق الإنسان
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة