مدونة محمد كريم الساعدي


الاحتفالات الكولونيالية وتأثير عروض الشارع في المخرجين الغربيين / الجزء الأول

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


17/05/2024 القراءات: 258  


دخلت عروض مسرح الشارع وأفكاره المتعددة وأساليبه المتغيرة مع كل ظاهرة فنية وتظاهرة جديدة قائمة على الاستعراضات بجانبيها المادي والثقافي للشعوب في ساحات عالمية لاستعراض هذا التراث العالمي ، لذا فقد عملت القوى الكولونيالية على إقامت الأحتفالات لتقديم هذا التراث العالمي في ساحاتها من خلال العمل على جلب هذه العروض كونها القوى المسيطرة على المشهد الثقافي العالمي والقادرة على إطلاق المجال في نقل التراث الثقافي للدول والشعوب التي وقعت تحت سيطرت الإستعمار ، إذ أقامت ما يعرف بالمعارض الكولونيالية وذلك عن طريق عرض تراث الشعوب على أرض المستعمر ، مثال على ذلك ما حدث في فرنسا ،إذ أقامت عدد من المعارض الاستعمارية في (مرسيليا) وغيرها من المدن الفرنسية ما بين (1889 – 1931) ، وكان يحضرها الرؤساء فرنسا الاستعمارية وكان المسؤول عن هذا المشروع المارشال (ليوتيه) . والهدف من هذه المعرض هو ترسيخ الواقع الاستعماري والتمجيد بالقوى الاستعمارية ومكانتها العالمية بين شعوب العالم . (1) إذ قدمت هذه العروض والرقصات من التراث الشرقي لفرق من آسيا ، تمثل البعد الطقسي للثقافات والمعتقدات الشرقية التي كان يحضرها عدد من المهتمين بالمجال المسرحي ومن بينهم المخرج المسرحي (أنتونان آرتو) والذي شاهد في تموز من عام 1922 فرقة من المؤدين الكمبوديين وهم يقدمون عملاً فنياً في مشهد مطابق لما يحدث في إحدى المعابد الكمبودية . كان ذلك العرض للفرقة الكمبودية مقدم في مدينة (مارسيليا ) .(2) ومن بين المخرجين (أنطونين آرتو) الذي كان شاهداً على هذه العروض وتأثر بها في استخلاص مسرح القسوة منه ، كون هذه العروض الكولونيالية كانت تقام في شوارع وساحات مدينة مرسيليا الفرنسية وهو ما أتاح للمخرج المسرحي والمفكر الفرنسي (آرتو) الإطلاع عليها ومعرفة ما تحتويه العروض الكولونيالية ، " فالعرض البالينيزي الذي شهده آرتو كان داخل إطار سياق ( الاستعراض الكولونيالي ) الذي كان يقدم في فرنسا . كذلك الحال بالنسبة للأقنعة النيجيرية أو المنقوشات البولينيزية والتي تتغير دلالتها تلقائياً حالما يتم عرضها كمعروضات فنية في أي دار عرض أو متحف غربي " (3) ، هذا التغير يقع في دلالتها والمكانة التي عليها في مكانها الأصيل والمتحولة في وعي المتلقي الغربي عن طبيعتها الأصيلة ، وهذا ما يجعل السياق الكولونيالي فعّال في إيجاد تفسير جديد يقدمه إلى جمهوره الغربي بما في ذلك المفكرين والفنانين من المسرحيين ، ومن بينهم (آرتو) ،إذ تعد نظرته "للدراما الراقصة البالينيزية نظرة كولونيالية بشكل ما وذلك في رؤيتها لهذه الدراما باعتبارها غريبة ومستطرفة ، بل وباعتبارها آخر مغاير ؛ فمثل هذا العرض يجسد قيم تختلف تمام الأختلاف عن قيم المجتمع الغربي " (4)وتدخل هذه القيم المختلفة في مجال التوظيف الفني المستلب من مجالها الحقيقي في داخل الشكل الجديد وفي الأفكار الفنية التي تستمد صيرورتها وتغيرها من خلال دخول أفكار هذه العروض الكولونيالية فيها ، أي في إنتاج الأعمال الفنية الجديدة ذات الثوب الغربي من جهة والفكر الشرقي من جهة أخرى ، وهو أشبه بنوع من الاستغلال الثقافي أتاحته القوى الغربية لمثقفيها ومبدعيها من أجل تطوير المنظومة الثقافية الغربية بعد سيطرة الجمود في الأطر الاشتغالية التي أنتجتها المدارس الغربية من الطبيعية والواقعية وغيرها ، ومن ثم جعلت المبدع الغربي يبحث في مثل هذه الاستعراضات عما يطوره من أفكاره وخياله وأعماله الفنية .


الكولونيالية مسرح الشارع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع