مدونة د سالم أحمد باوادي الحسني
الإبداع والإضافة الخلاقة (النفع الخاص والعام)
د سالم أحمد باوادي الحسني | salem ahmed bawadi
10/06/2020 القراءات: 3770
الإبداع والإضافة الخلاقة
قال الشاعر : إذا كُنتَ ذا رأيٍ فَكُنْ ذا عَزيمَةٍ -- فإنَّ فَسادَ الرأيِ أنْ تَترددا
إن الإبداع والنفع الخاص والعام, والإضافة الخلاقة, تحتاج جسارة وإقدام والأخذ بزمام المبادرة, فما نفع أمة متردد ولكن الجسارة والتوق إلى الانجاز والنفع, من أهم عناصر التقدم في أي مضمار, ولكن هناك شروط وأدوات يتطلب فهمها يأتي ذكرها.
فما قام به أبو الأسود الدؤلي رحمه الله في الصدر الأول من ضبط ألفاظ القرآن صيانة له من اللحن الذي رأى أنه قد فشي في زمانه, فقام بوضع نقاط على الحروف, فوقها وتحتها ليميز حالة الضم عن حالة الفتح وعن حالة الخفض وفي حالة التنوين أيضا, فرأى أن هذا أمر لابد منه, ورأى غيره هذه جسارة على التدخل في النص القرآني بما لم يفعله السلف, وقيل أنه كان بأمر من الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه, ولكن ما لبث الأمر أن قوبل بالقبول, واستقر عليه الناس.
ثم جاء في القرن الثاني الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله, ورأى الناس لايزالون في مشقة من صعوبة التمييز بين هذه النقاط فغير هذه النقاط إلى الرموز والعلامات التي نعرفها اليوم علامة الضمة, وعلامة الفتحة , وعلامة الكسرة, وزاد على فعل أبي الأسود أن أضاف الشدّة والسكون والهمزة, و لم تكن هذه الرموز معروفة قبل ذلك, فرفض الناس هذا التصرف وظلوا ردحا من الزمن متمسكين بالنقاط التي وضعها أبو الأسود الدؤلي ولم يستسيغوا ما فعله الخليل رحمه الله .
ومع مرور الزمن صار ما قام به الخليل بن أحمد أمرا لا يستغنى عنه أحد, بل وصل الأمر أنه ليس بالإمكان قراءة القرآن بدون هذه الحركات عند الكثير من الناس اليوم, وهو من تيسير الله سبحانه وتعالى ((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ( القمر:22)) يعني هونا قراءته وقال السدي يسرنا تلاوته على الألسن. فقد ظفرا هذان الرجلان العظيمان بشرف الذكر الحسن والدعاء لهما ما تلي هذا الكتاب, وما عند الله خير وأبقى.
إن النفع العام والخاص والإبداع والإضافات الخلاقة, لا يتأتى إلا بالصبر والإصرار والجسارة والأخذ بزمام المبادرة, والإقدام حتى الوصول إلى هذه اللحظة الخلاقة, لحظة تقديم الإضافة الرائعة التي يقدمها المرء لمحيطه ودينه وأمته, فلا تأتي المساهمة بالإضافة الخلاقة من فراغ وعطالة , ولكنها تأتي من جهد وإعداد وتأتي بعد قطع مفازات الاحباط, بالصبر والسمو فوق العثرات حتى الوصول إلى لحظة التجلي الخلاقة, فلولا المستوى العلمي الرفيع الذي وصل إليه أبو الأسود الدؤلي رحمه الله, بعد توفيق الله سبحانه وتعالى, لما ستجرأ على فعل ما فعل في أقدس كتاب لدى الأمة , وكذلك الخليل , فلا يظن متوهم أن الابداع والإضافة الخلاقة ممكن أن تأتي من واحد لاه , فاض, ذريعته ضعيفة ووسيلته خفيفة واهية , وأسبابه عقيمة, فمن أدرك بغيته ومطالبه والتمس المسالك إلى حيازة مغزاه وانتصب له وكابد وصبر. وصارت الذرائع قوية والأسباب أكيده, وصل إلى لحظة الإضافة الخلاقة, عندها فإن أصاب له أجران ,إن اخطئ فله أجر.
يا من تبحث عن الإنجاز والسؤدد والتقدم , انظر أولا إلى ذرائعك , فإن كانت ذرائعك منقطعة ووسائلك منبتة ووصائلك واهية فلا تطلب السؤدد, ولا تحاوله, فقد طلبت جللا وتكلفت وعرا , فلن يكون حالك متسهلا, فإن المطالب لا تدرك بالأماني.
د سالم أحمد باوادي الحسني
ضمر الصفا
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة