مدونة أ.د بلقيس أحمد الكبسي


قصة قصيرة بعنوان "إدانة" من المجموعة القصصية " عنيدة كالشمس"

أ.د بلقيس أحمد الكبسي | Prof.Dr. Belqes Ahmed ALkebsi


23/11/2021 القراءات: 2738   الملف المرفق



خذ كل اتساعك من اللهو، تمايل كيفما تشاء، تخبط في متاهات نزواتك كيفما تريد، تنقل بين غرف هفواتك كلما سنحت لك فرصة الغواية، وأنت تتقن مهارات الخيانة انحدر بتمهل أو انزلق بشراهة، سيان، لم يعد لدي أدنى اعتراض ولا ذرة عتاب. مهما تجاوزت، مهما جازفت، لم يعد القلب ممتلئ بما كان، لن أتخذ أي وسيلة عتاب، لن أتقدم إليك وداً، ولن أتقهقر عنك لداً، لدي ما يملؤني حد الاكتفاء، سأمحو خط الرجوع أميال حنين، سألزم الهدوء، وألوذ بالصمت، سأتدثر بالسكون، وإن أصابتني حمى الشوق، وتأجج سعيره في قلبي عنوة؛ سأُهيلُ عليه رمل التغافل، وأخمده بحصى التجاهل، وإن أصابه مَسٌ من صبوة سأرقيه بتراتيل الصبر، تبدو مهمة صعبة، لكن وجعي جسور، سيحتمل وسيجعل منك مجرد ذكريات لا أكثر. فمهما تماديت لن تستطيع الامتلاء، لن تتقن الاكتفاء، ستعجز عند الرحيل، وستعلن أسفك ببضع اعتذارات، وسيصيبك غرور الظنون بأنك ستؤوب، لحظتها ستلهث كثيراً، وأنت تحرث خطى الإياب بلا قبول. لا ألقي عليك كل اللوم، لست المتهم الوحيد في إيذائي، أنا أيضاً متهمة في إيذاء نفسي، أنا أيضاً مذنبة، أنا التي منحتكَ قلبي وبكامل إرادتي لتكون سلطانه بلا منازع، التنافس الذي استعر بيننا ونحن على مقاعد الدراسة هو أيضاً متهم، التحدي الذي شب سعيره بيننا من منّا يتصدر المركز الأول ويحوز على التفوق هو الفخ الذي شدني إليك متهم أيضاً ، معارك التنافس والتحدي التي احتدمت بيننا لم تكن سوى عربون حب ظننته أبدي - لا شيء يبقى للأبد- أعدها المتهمة الأولى. ابتسامتك هي الغواية الكبرى التي كلما أشرقت على محياي فتنت قلبي، صمتك الهامس الذي أغوى قلبي وأعمى بصيرتي متهم أيضاً، عيناك اللتان كلما يممتهما صوب حدقاتي تفجرت ينابيع الهوى في شراييني لا يخلوان من اتهام. كل شيء ذهب أدراج الغياب، ولم يعد سوى ثمة ذكريات كانت سبباً في ائتلافنا، ما أقسها وهي تستضيف قلبي في رحابها...! عندما كنت حلمي الذي أحلق برفقته على بساط الروح، عندما كنت أعجوبة القلب الشغوف، عندما كنت أغفو على صدر الحنان. ذاكرتي الأليمة لن تنسى إيابك المعدم ومفاوضاتك الفاشلة وأنت تقسم غموساً بأنك مجرد ضحية غُرر بها، وتنغمس أيضا في أيمانك الغموس بأنها كانت مجرد نزوة لا غير، ما أكثرها نزواتك! لطالما كان غفراني وليد الحضور، ولطالما نلتهُ، لكنه بعد طول الترجي أصابه اليأس، فأعلن عجزه أمام تضخم مساوئك وتراكم سيئاتكَ، وتزاحم خياناتكَ، فليس ثمة مصل مضاد لفيروسات العربدة والانفلات المشحونة بجيناتكَ، ولا خير في قلب متقلب كلما هبَّتْ عليه نزوة تمايل نحوها مستسلماً. اكتفى القلب منك، ولم يعد يربطني بك سوى أمنيات بريئة تحتاج لتضحية، ولن أفرط فيها، لن انتقم من كل خياناتك وخذلانك بها، تلك الأمنيات كانت نتاج حب، وأصبحت أمانة على عاتق قلب. أما الوجع الذي نلته منك سأحتمله باحتساب، أحياناً قد يكون الوجع مطهر جيد للقلب من فيروسات الخيبات. هذا القلب الذي كان متيماً بك أصيب بعد كل خيباتك بالتعب، أكله التمادي حتى أجهده، التهمه بنهم؛ أتحسسه برفق فأجده يقشعرُ برودة وقسوة وهو ينحدر صوب العناد، ما عاد ذاك الذي أحبك، ما عاد يعنيه الحنين.


قصة، قصيرة/ إدانة/ مجموعة قصصية/ عنيدة/ كالشمس


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع