مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


عليكُم بالجماعَةِ، والجماعة ما وافق الحق (2)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


19/10/2024 القراءات: 139  


يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في (المستصفى:146):
"كيف وقد وردت أخبار تدل على قلة أهل الحق حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((وهم يومئذ الأقلون)) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((سيعود الدين غريباً كما بدأ)) وقال تعالى: {وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة:103] وقال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] وقال تعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ} [البقرة:249]".
وهكذا اتَّفق العلماء على أن مفهوم الجماعة هو أن يلتزم المسلم بمنهج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهج الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، والمراد بلزوم الجماعة هو لزوم الحق واتباعه، وإن كان المُتمسِّكون به قليلون والمُخالِفون له كثيرون؛ لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا عِبرة بكثرة أهل الباطل بعدهم، إذ المعيار هنا هو المنهج؛ فمَن اتَّبع المنهج فهو على الجماعة، ومَن خالف المنهج يكون شاذًّا عن هذه الجماعة مهما بلَغ عددُهم؛ ولذلك قال الله تعالى: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]، فانظر إلى البلاغة القرآنية، حيث لم يقل: (بهم اقتده) بل قال (بِهُدَاهُمُ) لأن الأساس هو المنهج وليس الأشخاص، فلا تتعصب لشيخ أو داعية إن حاد عن الحق والصواب، فهناك كثير من المريدين وأتباع شيوخ يشوهون سيرة شيوخهم، وينفرون الناس من شيوخهم، وذلك من كثرة المبالغة والغلو في مدح شيوخهم، وربما وصفوا شيخهم بأوصاف ومنزلة لم يصل إليها السلف الصالح، بل بلغت الجرأة ببعضهم أن يرفع من شأن شيخه إلى مستوى أعلى من منزلة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم عنهم: (فلوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ) [رواه البخاري].
إنهم يسيئون إلى شيوخهم بفقدان الحكمة في القول، ولو سكتوا لكان خيراً لهم، بل لو سمعهم شيخهم ما يقولون في حقه لسفَّهم الرماد الحار.
فالحق ليس بكثرة الرجال، وإنما بموافقة الكتاب والسنة، والحق ما وافق الدليل من غير التفات إلى كثرة المقبلين، أو قلتهم، فالحق لا يوزن بالرجال، وإنما يوزن الرجال بالحق، وقديماً قال أرسطو: "أحب الحق وأحب أفلاطون، فإذا اختلفا؛ فالحق أولى بالمحبة من أفلاطون".
ومجرد نفور النافرين، أو محبة الموافقين لا يدلّ على صحة قول أو فساده، بل كل قول يحتج له، خلا قول نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يحتج به، وكثرة الأتباع ليست دليلًا على صدق الدعوى، كما أن قلة الأتباع ليست دليلًا على ضعفها أو فسادها، ففي الصحيحين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النبيَّ ومعهُ الرُّهَيْطُ، والنبيَّ ومعهُ الرَّجُلُ والرَّجُلانِ، والنبيَّ ليسَ معهُ أحَدٌ) [رواه البخاري ومسلم]، ولهذا قال بعض السلف: عليك بالحق ولا تستوحش من قلة السالكين، وإياك والباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين.


الجماعة ، الحق، السالكين، الكتابن\


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع