ماذا لو كان المجهر في عيوننا!
م.نوره الخضير | Noura alkhader
11/08/2024 القراءات: 351
لطالما كانت تلك الحياة الخفية تحت عدسة المجهر تثير فضولي بألوانها، بتفاصيلها الجديدة، بقدرتها على جذب الانتباه، لأنها ببساطة تمكن المرء من رؤية مشهد فريد، لم تستهلكه النظرات ولم يتكرر في مكان آخر.
لكن، ماذا لو كان المجهر في عيوننا! بقدرته على إظهار كل التفاصيل وجعل المشهد قريباً واضحاً لا يحتاج إلى الكثير من الشرح، ولا يتحمل وجهات النظر، ولا يستوعب الآراء الغير مدروسة، قادر بوضوحه أن ينقل التركيز إلى نقاط أخرى، قد تتعلق بالأداء والجدوى والاستثمار في المكان الصحيح.
باختصار، إدراك الصورة الحقيقية التي لم تعبث فيها النوايا المتوقعة، ولا التكهنات التي لم تبنَ على أساس علمي، بعيداً عن كل فكرة لم تنضج، وعن كل محاولة للتشويه. ربما من يتأمل في التربية الإسلامية، ويجمع اللمحات التربوية في القرآن والسنة يدرك أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يقومنا لنرى الحقيقة في الكون، وفي أنفسنا، وفي قلوب الآخرين، لننظر بعين تجيد المراقبة التي تنتهي باصطياد نقاط الجمال والقوة والحقيقة التي تختبأ في الأشياء حولنا، وتكمن في نفوس الكثيرين.
عندها لا بد أن التركيز سيتجه إلى البناء على هذه النقاط، وتجاهل كل التفاصيل الجانبية التي ربما تقطع الطرق، وتلغي الكثير من العلاقات، وتحجم الكثير من الأدوار، فتخرج المصلح من دائرة عمله الحقيقية، إلى الاكتفاء بصلاح نفسه، ولن يعود صلاح المجتمع من الأولويات. وكثيراً ما استوقفتني في الآونة الأخيرة منشورات ومقولات على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو للاستغناء عن الناس، والاكتفاء بالذات إذا ما أردنا بلوغ السعادة المنشودة.
تلك السعادة التي سعت البشرية منذ نشأتها لبلوغها لاهثة، فلم تجدها يوماً إلا منقوصة أو مؤقتة ومع ذلك نجد من يعود ويروج لطرق مكتشفة للوصول إليها، ووصفات في الغالب لا تعدو كونها ٱنية المفعول محدودة الأثر. وهنا مع وقفة قصيرة مع نظام الحياة الرباني، نرى أن الله ما خلق الإنسان إلا ليعيش في مجتمع ولو أن الخير في عيشه فرداً لما كانت الأسرة ولما عمر الكون.
مشكلتنا ليس في التأقلم مع مجتمع ساءت فيه العلاقات ولا في قدرتنا على الاستغناء عن هذا وذاك، لكن المشكلة حقيقة تكمن في عدم حرصنا على استمرار العلاقة رغم ما يشوب شخصيات الناس من عيوب، لكن أليس الأجدر بنا أن نعيد هندسة العلاقات بدلاً من قطعها، فربما يكون السبب في سوء العلاقة، أننا نرى الشخص من الزاوية الخطأ ويكفي لاستمرار العلاقة أن نغير مدى الرؤية فقط. وهنا نحتاج أن يكون المجهر في عيوننا وقلوبنا ولكن ليس ليركز على الجزئيات ولكن ليبحث عن مكان يضع فيه لبنةً جديدة، تسد ثغرة في بناء المجتمع وتؤسس لجسور تواصلٍ هي السبيل إلى الوصول الذي فيه مصلحة الجميع.
المجهر-الحقيقة- المسافات- المجتمع
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
وكأن النضج تاج المراحل، لا يقدم هديةً وإنما يتطلب المرور بمراحل الوصول واكتساب أدواته، فلا تسبق مرحلة أخرى، إلى أن يمتلأ الإناء وينضح بما فيه.