مدونة .. أ. د. خالد عبد القادر منصور التومي


فـــــائــــــــــدة رمـضــــــــــانـيــــــــــــــة (3)

أ.د. خالد عبد القادر منصور التومي | Prof. Dr. Khaled A. Mansur Tumi


04/04/2024 القراءات: 784  


آداب المُتعلم وكفاءة الأستاذ..؟

قصة العبد الصالح مع نبـيُ الله موسى ، يُسافر بنـيُ الله موسى  سفرًا شاقًا مُجهدًا، إذ يقول واصفًا إياهُ ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا﴾(الكهف:62)، ويلتقي العبد الصالح، ويبتدئ الحديث معه؛ فيقول: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾(الكهف:66)، يبتدئ نبـيُ الله موسى  بكلمة "هل" في غاية الجمال الخطابي، إن نبـيُ الله موسى  حين يبتدئ بكلمة "هـل" ولا يبتدئ بكلمة "أريد أو أعزم أو أرغب"، فمعنـى ذلك أنه ترك شخصيته وإرادته وعزيمته وتحكمه وسيطرته، ترك كُل ذلك وراءهُ، لأنه أمام أستاذ يتعلم منه، لذا قال "هـل" ثم أتبعها بكلمة "أتبعك" ولم يقُل "أُزاملك أو أُرافقك أو أُصاحبك"، وإنما قال "أتبعك" هذه من آداب المُتعلم أن تكون "إرادته، تحكمه، سيطرته" بالنسبة للأستاذ يتركها وراءهُ، ولكن الأستاذ مع هذا الأسلوب البليغ الجميل لم يتـرك مكانتهُ من أستاذيته؛ فنظر إلى نبـيُ الله موسى  وقال لهُ: ﴿قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾(الكهف:67)، إن العلم لهُ مكانةً شريفة، وكُل ما لهُ مكانةً شريفة لابُد لهُ من شروط، ومن شروط العلم "الصبر" وكلمة العبد الصالح؛ وإن كانت أشبهُ أن تكون رفضًا، إلا أنها ليست برفض، وإنما هي استثاره أكثـرُ منها رفض، ويتضـح ذلك فيما أردف به العبد الصالح قائلاً: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبـْرًا﴾(الكهف:68)، وكأن الأستاذ يضع التلميذ في لُب الامتحان "حالة عصف ذهنـي عجيبة" إذ يزيد الأمر صعوبةً؛ فأخذه مباشرةً إلى الفضول الذي إن لم يتحكم المُتعلم فيه نفسه، زل وسقط، بيد أن النفس البشرية تكون في حالةِ تلهف لمعرفة كُل ما هو غامض، إلا أن النباهة التـي اعتـرت نبـيُ الله موسى  آن ذاك، ولا شك أنه إلهامٌ رباني، واليوم نراهُ درسًا لكُل مُتعلم، إذ أجاب نبـيُ الله موسى  في تواضعٍ جم، وفي خضوعٍ كامل، إذ يقول: ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا﴾(الكهف:69)، ولم يقُل ستجدني صابرًا إن شاء الله، وإنما قدم المشيئة، ثم زاد شيءً أخر؛ زاد صفةً أخرى، يجب أن تتوافر أيضًا في المُتعلم مع أستاذه، إذا أردف قائلاً: ﴿وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾(الكهف:69)، ولا يخرج الأستاذ عن أستاذيته بهذا، وإنما يقول لهُ: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِـي﴾(الكهف:70) ولم يقُل لهُ وهو يعلم أنهُ رسولٌ من لدُن الله سبحانه وتعالى، وأنهُ مُرسل، وأنهُ نبـيٌ، ويعلم كُل ذلك العبد الصالح، ومع ذلك؛ فقد قال: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنـِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتّـَىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾(الكهف:70)، إنها أستاذيةً كاملة، وهكذا سار الأمر في هذه القصة الفريدة التـي تروي أحداثًا جرت بين الأستاذ وتلميذه حتـى آخر القصة التـي وردت في سورة الكهف؛ الآيات(64 وحتـى 82)، يالَها من فائدةٍ عظيمة في الآدب المُفتـرض على المُتعلم التحلي به اليوم وكُل يوم، وكذا صفة الأستاذ الكامل المُستحق للأستاذية مع المُتعلم، إذ يعرفُ متـى يستفيضُ في الحديث إذا كان الأمر يحتاج إلى استفاضه، ومتـى يوجز إذا كان الأمر يحتاج إلى اجاز، ومتـى يسكت إذا كان الأمر يقتضي السكوت، وهنا تكون التربية السليمة القويمة قد حلت بالمُتعلم من أستاذه، ونستمد ذلك؛ مِما ذكرهُ الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات من آداب المُتعلم وكفاءة الأستاذ، والأشادة بالعلم في جميع ألوانه ونواحيه.

نقلاً عن مُحاضرة: أ.د. عبدالحكيم محمود؛ شيخ الأزهر في الفتـرة بين عامي 1973- 1978.


رمضان، شهر رمضان، آداب المتعلم، كفاءة الأستاذ،


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع