الدكتور سعد سلمان المشهداني


دور وسائل الاعلام في تضميد جراحات الوطن

أ.د سعد سلمان عبد الله المشهداني | Prof. Dr : Saad Salman Abdallah ALmishhdani


07/12/2019 القراءات: 5360  


لقد اختلفت الرؤى حول العراق والعراقيين كثيراً، فما نجده اليوم في المجتمع العراقي هو نتاج قسمين من التاريخ كانت السياسة في قسمه الاول تمثل منتهى البشاعات وعلى نقيضه قسم اجتماعي يمثل اروع الحضارات . ترك الجانب الاجتماعي في تاريخ العراق منتهى الطيبة والوداعة وترك الجانب السياسي فيه منتهى التوحش والقساوة، أروع التعابير والجماليات وأخصب العواطف يقابلها أقبح الكلمات وأسوأ التعابير والشتائم وكان للإعلام والقائمين عليه عبر التاريخ دور كبير في صناعة هذين الضدين .
وبقدر ما صنع الاعلام في العهود السابقة صورة غليظة للدولة وساعدها في استخدام أساليب قاسية كانت تفزع كل الكائنات .. بقدر ما غدا اليوم بمنتهى القساوة والبشاعة يعاني من همجية ووحشية مرعبة .. بكل انشقاقاته وانقساماته وتحزباته .. بكل ما حل فيه من الأحقاد والكراهية والبغضاء .
ان الإعلام تعبير موضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في الوقت نفسه، وهو ليس تعبيرا ذاتياً عن شخصية رجل الإعلام وإنما يقوم على الحقائق ويهدف إلى التأثير على موقف الكائن الإنساني ودفعه إلى التصرف على نحو معين .والإعلام يسعى إلى إيقاظ الوعي باستمرار من خلال تزويد الناس بالأخبار والحقائق والمعلومات وما يدور من أحداث ووقائع، وهو حين يهتم بنشر الحقائق والأفكار والآراء يهدف إلى التفاهم والإقناع وكسب التأييد .
واذا كانت السياسة هي فن الحكم فان الإعلام هو فن اقناع الجماهير بطريقة الحكم . ومن هذا المنطلق فان الإعلام بعناصره الثلاثة وهي الصدق والصراحة والوضوح في الهدف هو مهنة تحتاج إلى الذكاء والتخطيط والمبادرة كما تحتاج إلى الدراسة والممارسة . والإعلام الآن هو الوسيلة الأولى في تقريب المسافات التاريخية والجغرافية بين الإنسان والإنسان، وفي بسط العالم كله أمام الناس كل الناس بكل ما يحمله هذا العالم في ثناياه، ووضع البشر جميعاً وجها لوجه .
ينهض الإعلام المعاصر بالمهمة الصعبة التي تبدأ بنقل الخبر وتنتهي بمحاولة نقل العالم ونقل النشاط الإنساني أو التراث الإنساني بكل تنوعاته ووجوهه وروافده.. وغدا الوسيلة الأقوى والأفعل في اقتلاع الحواجز بين الإفراد والشعوب والدول وفي خلق التفاعل بين الأفكار والمعتقدات والأيدلوجيات المختلفة. وبالمقابل فان الاعلام يمكنه ان لا يقوم دائماً بهذا الدور الايجابي أو ينهض بهذه المسؤولية. بل يمكن أن يقوم أيضاً بدور مغاير فيطمس الحقائق ويشوه المفاهيم ويحرض على البغضاء والكراهية والأحقاد والعنصرية ويهبط بذوق الأفراد ويبث الأكاذيب ويستلب وعي الشعوب. والإعلام قناة يمكن أن توصل الطيب والخبيث في آن واحد. تكون أحياناً وسيلة تشويه وإكراه وتخويف، ووسيلة سيطرة على الفكر والإرادة والمعتقد والسلوك، وأداة اقتلاع من الجذور ومن الخصوصية التاريخية. يمكن للإعلام أن يكون أداة تشريد وفصل عن الذات وعن الهوية الثقافية والخصوصية الحضارية التي تكون ظاهرة الأجرام واحدة من نتائجها السلبية .
وفي ظل الحركات الاحتجاجيةوالتظاهرات السلمية التي يمر بها العراق كان المواطن العراقي الذي كابد أخطارها اليومية وتحمل تبعاتها السلبية، أكثر تلهفاً لمتابعة ومعرفة ما يحث على الأرض من وقائع وأحداث واستشفاف تداعياتها المحتملة على حياته ومستقبله، فكان أكثر بحثاً عن ما يمكن ان يوصله إلى الحقيقة ويشعره بالأمل والطمأنينة التي ينشدها، جاهلاً أو متناسياً ان الكثير من الوسائل الإعلامية لم تكن سوى سلاح من أسلحة الصراع، وأداة من أدوات إذكاء الأزمة وسلاحها الفاعل بيد اقطابها المتصارعة الموجهة لاستهداف المواطن والتأثير على مواقفه وقناعاته، وما تقدمه من معلومات تكون في مضامينها وأهدافها واتجاهاتها خاضعة لمصالح هذه أو تلك من مراكز القوى والصراع.
نحن مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى الى ان نجعل من الاعلام وسيلة صراع سلمي ديمقراطي وحوار وطني إنساني حضاري مسخر لمعالجة جراحات وأزمات الوطن والخروج منها بأقل الخسائر، والانطلاق نحو مرحلة جديدة لبناء الوطن وتحديثه وتنميته والحفاظ على أمنه ووحدته وسلمه الاجتماعي . وكان الله في عون كل من يعمل على ذلك .






دور وسائل الاعلام، الحركات الاحتجاجية، التظاهرات الشعبية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع