الحكم الشرعي في تحديد جنس الجنين
د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI
26/10/2019 القراءات: 6729
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه... وبعد:
التعريف: إن المقصود بتحديد جنس الجنين، هو " ما يقوم به الإنسان من الأعمال والإجراءات التي يهدف من خلالها اختيار ذكورة الجنين أو أنوثته"، وهنالك صور متعددة لتحديد جنس الجنين، والذي نقصده هنا ما كان بين الزوجين الشرعيين وتم اتخاذ الاحتياطات الكافية والمانعة من اختلاط الحيوانات من الزوج بغيره.
حكم تحديد جنس الجنين: اختلفت أقوال الفقهاء المعاصرين ويمكن إجمالها بثلاثة هي:
القول الأول: جواز تحديد جنس الجنين
وهذا ما ذهب إليه عدد من أعضاء المجمع الفقهي الإسلامي وآخرون؛ وأدلتهم:
من القرآن؛ توجه الإنسان إلى ربه طالباً منه جنساً معينا لا حرمة ولا حظر فيه بدليل ما ورد من الآيات في طلب بعض الأنبياء ذلك، كسيدنا زكريا عليه السلام في قوله تعالى: { وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)} (سورة مريم)، وكذلك إبراهيم عليه السلام حيث يقول الله تعالى: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)} (سورة الصافات) فهاهم أنبياء الله تعالى يدعونه بنوع معين من الجنس ولا يمنعهم من ذلك، فلو كان الدعاء يتضمن شيئا أو سؤالاً محرما لحرم هو كذلك، لهذا يجوز تحديد الجنس لأنه من باب اتخاذ الأسباب التي تنال بها المطالب، وما جاز سؤال وطلبه جاز اتخاذ الأسباب لتحصيله.
من السنة؛ ما رواه مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا، فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ، أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللهِ، وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ، آنَثَا بِإِذْنِ اللهِ»، وفي حديث اخرجه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الوَلَدِ: فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ المَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا ")، ففي الحديث دلالة على أن الإذكار والإناث في الجنين أمر طبيعي له أسباب يمكن اتخاذها والتصرف فيها لاختيار الجنس، وقد اعترض على هذا الاستدلال بأنه ليس من سبب طبيعي يحدد الإذكار أو الإناث وإنما يعود ذلك كله إلى إرادة الله ومشيئته فالله سبحانه وتعالى يقول: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} (سورة الشورى) ويؤكد هذا ما جاء في الصحيحين من حديث ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللهُ إِلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ،" فالحديث فيه دلالة على أن الإذكار والإناث مبني على مشيئة الخالق وإرادته؛ وأجيب على هذا الاعتراض، أن لا تعارض بين إسناد الإذكار والإناث إلى الله سبحانه وتعالى وبين الأخذ بالأسباب وتحصيلها، فما قدر الله بأن جعل له أسباباً لا تخرج عن مشيئته وإرادته وتدبيره.
القاعدة الأصولية التي تنص: أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل في المنع، والتحديد جائز لعدم وجود دليل يفيد المنع فيبقى الأمر على أصله المباح.
القياس: قاسوا جواز تحديد جنس الجنين على جواز معالجة العقم الممكن معالجته، فمعالجة العقم والسعي في إيجاد الحمل والأخذ بالأسباب المؤدية إليه أمر جائز بلا خلاف ولا مخالفة فيه، فيجوز كذلك تحديد جنس المولود لأنه إعمال للأسباب بهدف تحصيل صفة في الجنين، فإن جاز الأخذ بالأسباب لإيجاد الجنين نفسه فالأخذ بالأسباب لإيجاد صفة بالجنين جائز من باب أولى.
القول الثاني: تحريم التدخل البشري في تحديد جنس الجنين مطلقاً
وأدلتهم:
من القرآن: في إجازة تحديد جنس الجنين منازعة لله سبحانه وتعالى في خلقه، واعتراضاً على مشيئته وإرادته في كونه،وعلمه واختصاصه بما يوجد في الأرحام، والله سبحانه وتعالى يقول:(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (سورة آل عمران:6).
وقد قال جماعة من المفسرين كابن مسعود وقتادة:يعلم الله ما في الأرحام ذكوراً وإناثا"، ويقول سبحانه وتعالى: " اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ" (سورة الرعد:8) وقوله سبحانه: "إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (سورة لقمان: 34)، فلا أحد يعلم ما في الأرحام أذكر أم أنثى ؟ أأحمر أم أسود، إلا الله.
ويرد على هذا الاستدلال من وجوه عدة:
أ- إن الأخذ بالأسباب الذي أمر به ديننا الحنيف إنما هو وسيلة لإدراك المسببات ويدخل في تلك المسببات تحديد جنس الجنين وغيره، وكل ذلك لا يتضمن مضاهاة الخالق أو منازعته في خلقه، ولا يعني الاعتراض على مشيئته، فكل ما يحل بالعبد وكل ما يتوصل إليه إنما هو بتقدير الله سبحانه وتعالى وإرادته وهو القائل:( وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ
الفقه- تحديد الجنين- اسرة- جنس الجنين- الغلام
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
موضوع رائع