مدونة ناجي حمد صالح حمد


الأخلاق وما أدراك ما الأخلاق!

ناجي حمد صالح حمد | NAGI HAMD


04/05/2021 القراءات: 5931  


مَن ترون لي أن أعامل من الناس؟ قال بعض العلماء: أتى على الناس زمان، كان الرجل يدخل السوق ويقول: مَن ترون لي أن أعامل من الناس؟ فيُقال له: عامِل مَنْ شئت. ثم أتى زمان آخر، كان يقولون فيه: عامِل من شئتَ إلا فلاناً وفلاناً. ثم أتى زمان آخر فكان يُقال: لا تعامِل أحداً إلا فلاناً وفلاناً. وأخشى أن يأتي زمان يذهب هذا أيضاً، وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون. إنا لله وإنا إليه راجعون! سُئل أحد الأطباء متخصص في "الغذاء الميزان" سؤالاً: هل هناك عنصر معيّن يسبب حُسن الخُلق؟ فأجاب: حُسن الخلق يأتي بالتربية والتقوى ومخافة الله ومراقبة النفس، ولكن دعني هنا أوضح أمراً هاما هنا وهو أن حُسن الخُلق مكانهُ النفس: {ونفس وما سواها (٧) فألهمها فجورها وتقواها (٨) قد أفلح من زكاها (٩) وقد خاب من دساها (١٠)} سورة الشمس والنفس تعمل وتتخذ القرار وتطبقه من خلال القلب والدماغ. فنفس الإنسان هي الفارس الذي يقود الفرس وهو الجسم، لكي تحصل على نتيجة متفوقة دائما أنت بحاجة إلى فارس قوي (نفس قوية) وجسم سليم من حيث عناصره (أي فرس قوية). والإسلام منظومة متكاملة تجمع بين العقيدة والشريعة والأخلاق، لذلك فلا مسوغ أصلا للفصل بين العقيدة والسلوك، أو بين العبادة والمعاملة أو بين الاقتصاد والأخلاق، أو بين العلم والأخلاق. فالأخلاق لحمة الحياة الإسلامية وسداها. ومن خصوصياتها على المستوى التشريعي أنها لا تقبل التجزئة، ولا يمكن حصرها في مجال دون آخر، فهي تشكل أصلا من أصول الدين، وثمرة مجاهدة المتقين، كما تمثل الأخلاق ذلك الجانب الروحي والأدبي الذي أودعه الله في نفوس البشر، وجعله من أكبر العوامل في سعادتهم وشقائهم، وأدق المقاييس للدلالة على ارتقائهم أو انحطاطهم حتى قال بعض علماء الاجتماع: إنما تتفاضل الأمم في حالة البداوة بالقوة البدنية، فإذا ارتقت تفاضلت بالعلم، ثم إذا بلغت من الارتقاء غايته تفاضلت بالأخلاق. ومما يؤكد أهمية الأخلاق من الناحية الشرعية قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الخلق وعاء الدين). ومعنى الحديث أن نسبة الخلق الحسن إلى الدين كنسبة الوعاء إلى ما استقر فيه، فكما أن الماء لا يقوم بنفسه من دون وعاء يضم أجزاءه ويصونها عن التفرق والضياع، كذلك أحكام الدين وتعاليمه لا تقوم بنفسها ولا يدوم سلطانها ما لم تكن في المتدينين أخلاقا ثابتة وأحوالا راسخة.   قد يلتزم بالقانون ولا يلتزم أخلاقياً: يقول سبونفيل: تخيّلوا فرداً شديد الاحترام لشرعية البلد الذي يحيى فيه، يؤدي كل ما يفرضه عليه القانون، ولا يقترب مما يحظره عليه القانون، أي هو ملتزم مثالي بالقانون، لكنه يقصر التزامه على هذا القانون. وتعلمون أنه ما من قانون يحظر الكذب، إلا في حالات خاصة، وما من قانون يحظر الأنانية والازدراء والكراهية واللؤم. ولهذا فإن صاحبنا هذا الملتزم بالقانون قد يكون كاذباً، أو أنانياً، أو مشحوناً بالازدراء والكراهية واللؤم. أفلا يكون إذ ذاك غير أخلاقي وإن كان ملتزماً بالقانون؟ وقد يكون من ناحية أخرى صاحب كفاءة علمية متميزة، وبارعاً في مجال التقنيات، وعندئذ يكون أكثر فاعلية، وأكثر خطورة. ثمة أمور يبيحها القانون، ومع ذلك يجب أن نحرِّمها على أنفسنا، وثمة أمور لا يفرضها القانون، ومع ذلك يجب أن نفرضها على أنفسنا. فمن وجهة نظر الأفراد، لابد أن ينضاف الخلق إلى القانون. وكما أن هناك من يلتزم بالقانون ويكون سيئ الخلق، فإن هناك من يلتزم بالأخلاق ظاهراً ويكون سيئ الخلق باطناً، وهنا لا يمكن أن يقال بأن هذا أخلاقي أو صاحب أخلاق، بل هو من أدعياء الأخلاق. أن تكون أخلاقياً يعني أن تهتم بواجباتك، وأن تكون دعيَّ أخلاق يعني أن تهتم بواجبات غيرك. هل من الأخلاق أن يكون الإنسان خلوقاً عندما تستدعي مصلحته ذلك؟ الإنسان يشعر بالحاجة إلى الأخلاق عندما تكون هذه الأخلاق مطلوبة من غيره، ويكون هو محتاجاً إليها، وقد لا يشعر بالحاجة إلى الأخلاق عندما تكون هذه الأخلاق مطلوبة منه لصالح غيره. هناك أناس يتمنون أن يكذبوا هم وحدهم على الآخرين، وألا يكذب عليهم أحد، أو أن يخدعوا جميع الناس، ولا يخدعهم أحد! يحبون أن يتحلى جميع الناس بالأخلاق الحميدة معهم، وأن لا يتحلوا هم أبداً بأي أخلاق مع غيرهم! هل هذا ممكن؟ هل يمكن للإنسان أن يكون خلوقاً مع شخص ليس هو خلوقاً معه؟ وإلى أي مدى؟ الإسلام شرع للشخص أن ينتزع حقه من الآخر، ولو بواسطة الظفر بالحق، فيرى جمهور الفقهاء أنّ مَن أخذ مالكَ ظلماً، أو جحد وديعتكَ، فخُذْ ماله إذا تمكنتَ منه، وأمنتَ أن تكون سارقاً (في القانون أو في العرف). لكن في الإسلام لم يشرع له أن يقابل الأخلاق السيئة بأخلاق سيئة. ففي الحديث الشريف: ((أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)) سنن الترمذي، ويجب أن تحبّ لأخيك ما تحب لنفسك، وأن تعامل الناس كما تحبّ أن يعاملوك، أو تحسن إليهم إن شئتَ. الأخلاق أن تطلب الأخلاق من نفسك أولاً، وليس من الأخلاق أن تطلب الأخلاق من الآخرين، دون أن تكون أنت متحيلاً بها من قبل.   وعليه فإن للأخلاق دور كبير في تمنية المجتمع وتطوره حيث يقول الشاعر احمد شوقي: وإنمـــا الأمم الأخـــلاق مـــا بقيــت*** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا... وإذا أصيب القوم في أخلاقهم*** فأقم عليهم مأتما وعويلا… صلاح أمرك للأخلاق مرجعه*** فقوّم النفس بالأخلاق تستقم…   ✍🏻 ناجي حمد.


الأخلاق


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع