مدونة د. محمد سلامة الغنيمي


زينة الخلق والكسل البشري: صراع الفطرة والإهمال

د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim


08/03/2025 القراءات: 12  



إنَّ الجمالَ لغةٌ كونيةٌ ناطقةٌ بأسرار الخالق، فما مِن مخلوقٍ إلا وتحملُه يدُ الإبداع بلمسةٍ جماليةٍ تَـخْـلبُ الألباب. فالإنسانُ مُسَجًّى في أحسن تقويم، والسماءُ مُزيَّنةٌ بمصابيحَ كاللآلئ المعلَّقة، والحيواناتُ مُسخَّرةٌ للزينة والمنفعة، حتى الأرضُ تُنبِت زهورًا كأنها ابتساماتُ الطبيعة. فكيف يُنكر عاقلٌ هذا النَّظم البديع، ويُعرض عن الفطرة التي فُطِر عليها؟!

إنَّ تنكُّبَ بعض الناس عن فطرة حُبِّ التزين - التي جعلها الله سمةً في الإنسان - لهو دليلٌ على غلبةِ الغفلةِ والكسل على قلوبهم، واستسلامِهم لوهنِ النفس وضعفِ الهمة. فما الإهمالُ في المظهر إلا مرآةٌ لِفسادِ البصيرة، حيث ينساق المرءُ وراءَ شهوةِ الراحة الكاذبة، ويُفضِّل الدعةَ السلبيةَ على جمالِ العنايةِ بالنفس. قال تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ} (الأعراف:26)، فكما أن التقوى زينةُ الباطن، فالعنايةُ بالظاهرِ دليلٌ على صفاء السريرة.

ولكنَّ هذا الانحرافَ ليس وَليدَ الكسلِ فحسب، بل قد يكون ثمرةَ فهمٍ مُعوجٍّ للزهد، أو انبهارٍ بمظاهرَ ماديةٍ طغت على الجوهر، فَـيُهمل المرءُ زينةَ الأجسادِ غرقًا في زينةِ الماديات، أو يتوهَّم أن التَّقشُّفَ في الملبسِ هو غايةُ التُّقى! والحقُّ أن الإسلامَ دعا إلى التوازن بين تهذيبِ الظاهرِ والجوهر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعتني بهندامه، ويقول: "إن الله جميلٌ يحب الجمال" (رواه مسلم)، فكيف يُعقلُ أن يصيرَ الإهمالُ شعارًا؟!

فالذين يرفضون لغةَ الجمالِ الإلهي إنما يُمرضون أرواحَهم قبل أجسادهم، لأنهم يحجبون أنفسَهم عن عطاءِ الفطرةِ السليمة. فليست العنايةُ بالهيئةِ ترفًا، بل هي عبوديةٌ لله، وشكرٌ للنعم، واحترامٌ للناس. أما الذين يَـتَّخذون الكسلَ منهجًا، فيُجيبون عن سؤال الجمال بصمتِ الإهمال، فهم كشجرةٍ ميتةٍ ترفض أن تورقَ رغم أمطارِ السماء!

غلبةُ الكسلِ والإهمالِ على الفطرةِ ليست قدرًا محتومًا، بل هي ثمرةُ تهاونٍ مع النفسِ يبدأ بذرَّتِه في القلب، فإذا أُهملتْ رسائلُ الفطرةِ النقيةِ استحالَ الكسلُ عادةً، ثم طبعًا. وقد يُفاقمُ هذا الانحرافَ غيابُ القدوة، أو تأثيرُ بيئةٍ تستخفُّ بجمالِ الروح والجسد معًا. لكن يبقى الخيارُ الفردي هو المحكُّ، فالفطرةُ السليمةُ تُنادي صاحبَها: أليسَ مِن المروءةِ أن تُجمّل ما جمّله الله فيك؟!.


تربية، فكر، نهضة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع