مدونة الأستاذ الدكتور/ زينب صلاح محمود يوسف


دور الجامعة في نشر ثقافة ريادة الأعمال

أ.د/ زينب صلاح محمود يوسف | Prof. Dr/ Zeinab Salah Mahmoud


10/12/2022 القراءات: 1922  


يشهد العالم منذ مطلع الألقية الثالثة الكثير من التحولات الشاملة والمتصارعة على كافة المستويات، بفعل تأثيرات النظام العالمي الجديد وهو ما اٌصلح على تسميته بالعولمة، وقد افرزت هذه التحولات العديدة من التغيرات بشكل عام والتغيرات الاقتصادية بشكل خاص، ومن بينها التوجه نحو اقتصاديات السوق، وسياسات التحرر الاقتصادي، والتحول نحو اقتصاد المعرفة، وتعزيز القدرة التنافسية، والتوجه نحو ريادة الأعمال، والمبادرة في إنشاء الأعمال والمشروعات، وتعد ريادة الأعمال أو ما يعرف باسم الاقتصاد الريادي أحد التوجهات العالمية للتطور الاقتصادي باعتبارها محركا للنمو الاقتصادي في العديد من الدول المتقدمة والنامية على حداً سواء، حيث تزايد الاهتمام العالمي في الفترة الأخيرة بالدور الذي تلعبه ريادة الأعمال في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك لأهميتها في توفير فرص العمل وفتح أسواق جديدة وتعزيز الفكر الريادي لدى الشباب، والذي يعمل على تنمية قدرتهم على تحويل أفكارهم الإبداعية إلى مشاريع هادفة وزيادة قدرتهم على إحداث التغيير وحل المشكلات، الأمر الذي يسهم بفاعلية في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن مشاريع ريادة الأعمال تساهم بنسبة 90% من المشروعات الاقتصادية على مستوى العالم، وقد حققت الدول التي تبنت نموذج الاقتصاد الريادي- ريادة الأعمال- نجاحاً كبيراً استطاعت به أن تضاعف إنتاجها الإجمالي بنسب تتفاوت بين 50%: 70% وتشغيل ما بين 50%:60% من إجمالي قوة العمل بها.الأمر الذي جعل صانعي السياسات في جميع أنحاء العالم يهتمون بفكرة تعزيز ودعم ريادة الأعمال ويضعونها على رأس جداول أعمالهم. ولذلك تتجه مساعي صناع القرار لتعزيز ودعم ريادة الأعمال من خلال نشر ثقافة ريادة الأعمال وتنمية العقلية الريادية ورفع كفاءة رواد الأعمال وتعزيز مهارتهم واكسابهم خصائص ريادية ومساعدتهم في إدراك واستثمار الفرص الإبتكارية، فثقافة ريادة الأعمال ركيزة أساسية من الركائز التي تعمل على تحفز السلوكيات الريادية كالاستباقية والمخاطرة والابتكار وغيرها، ومن ثم كان من الضروري نشر وتنمية ثقافة ريادة الأعمال من خلال بناء العقليات والمهارات الريادية والوعي بالفرص المهنية المتاحة. ولا يتأتى ذلك إلا من خلال توفير الفرص التعليمية الريادية للفئات المستهدفة، أن ثقافة ريادة الأعمال هي أحد الاتجاهات الحديثة في التربية والتعليم لذلك يجب على النظم التعليمية تبني هذا المفهوم وبناء البرامج التي تنمي وتثقل ثقافة ريادة الأعمال، ويعد طلاب الجامعة أكثر شرائح المجتمع التي يجب استهدافها والاهتمام بتعليمها مفاهيم ريادة الأعمال التي ترتكز على الإبداع والابتكار والتميز ومواجهة المخاطر والتحديات هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تعزيز ثقافة ريادة الأعمال بينهم من خلال تكوين إدراكات إيجابية نحوها، لأنهم المقبلون على سوق العمل كما أنهم نواة رواد الأعمال في المستقبل، حيث أشار التقرير الاقتصادي العربي الموحد للعام (2020) الصادر عن صندوق النقد العربي (2020) إلى أن معدل البطالة في الدول العربية هو الأعلى في العالم بالنسبة لشريحة الشباب ممن تتراوح أعمارهم ما بين 15: 24 سنة،
وكنتيجة طبيعية لتزايد أعداد خريجي الجامعات، وارتفاع نسبة البطالة فيما بينهم، فقد قامت العديد من الدول بمراجعة أنظمتها التعليمية والتدريبية لتطويرها بشكل يشجع الطلاب والشباب على العمل لحسابهم الخاص، وتأهيلهم للقيام بهذه الدور، واتجاههم لعمل مشروعات خاصة بدلاً من الاتجاه للعمل في القطاع العام أو الخاص، أي التوجه نحو التربية الريادية، وفي ظل هذا الاهتمام بالتربية الريادية أصبحت المجتمعات العربية اليوم مطالبة بنشر ثقافة العمل الريادي في المنظومة التعليمية لا سيما في التعليم الجامعي لما له من نتائج وآثار قوية على التنمية المستدامة بهدف إيجاد جيل من الرياديين والمبدعين في جميع المجالات يمكنهم إيجاد الحلول غير التقليدية للمشكلات التي تقف في وجه التنمية الشاملة المستدامة. فلم يعد الدور الملقى على الجامعات في الوقت الحالي قاصراً على الحفظ والاستظهار وتلقين الطلاب المادة العلمية، بل وجب على الجامعة توعية الطلاب وتثقيفهم نحو المهن المختلفة في المستقبل وتزويدهم بالمهارات اللازمة لإنشاء مشاريع ريادية يمكنهم من خلالها المساهمة في التنمية المجتمعية وتنمية الاقتصاد الوطني.لذا فمن الضروري أن تعمل الجامعات وفقاً لخطط مدروسة على زيادة تفعيل دورها في نشر ثقافة ريادة الأعمال من خلال برامجها المنهجية وغير المنهجية لإكساب طلابها وخريجيها المهارات اللازمة للقيام بمبادرات الأعمال بصرف النظر عن تخصصاتهم العلمية، وتوفير البرامج الداعمة والمشجعة لخدمة الأفكار الريادية لدى منتسبيها.
وذلك من خلال إدراج مقررات خاصة بريادة الأعمال، وكيفية إعداد المشروعات الخاص، وتسويق منتجاتها بالإضافة إلى عقد مؤتمرات وندوات وورش عمل بهدف نشر معلومات حول ريادة الأعمال، بجانب الاستعانة بخبراء ورواد أعمال ناجحين لكي ينقلوا خبراتهم في تطوير التعليم للريادة. وتـوفير العنصـر البشــري المؤهــل للعمــل الحــر، والراغــب فــي تحمــل المخــاطر، وتــدريبه علــي تحويــل أفكــاره ومقترحــاته المبتكــرة إلــي مشروعات هامة، وإكسابه مهارات إعداد وتنفيذ المشروعات، وتقديم كافة الاستشارات والدعم والتوجيه لريادة الأعمال. ولذلك فإن الجامعات عليها دوراً كبيراً في تأهيل هؤلاء الشباب، وتنمية ثقافة ريادة الأعمال لديهم، وإكسابهم الخصائص الريادية التي تدفعهم وتشجعهم على العمل الريادي. ففي الوقت الذي اهتمت فيه الجامعات العالمية بريادة الأعمال، وعدلت برامجها الدراسية وطورتها لإدخال مقررات خاصة بريادة الأعمال، نجد أن الوضع في جامعات الوطن العربي بشكل عام مازال يعاني من القصور الواضح في دعم ريادة الأعمال، وتنمية الثقافة الريادية لدي الشباب.ولذلك فإن منظومة التعليم الجامعي في الوطن العربي تحتاج إلى تبني نماذج جديدة كصيغة الجامعة الريادية ودعم وتعزيز الثقافة الريادية.


ريادة الأعمال، الشباب، الجامعة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع