من بطون الزمن .. نستظهر أسياد اللغة العربية : العلامة الفيروزآبادي
22/11/2020 القراءات: 4722
يعد العلامة مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي الشيرازي صاحب القاموس المحيط من كبار علماء اللغة العربية وأجلهم حيث كان حادَّ الذهن، شديد الذكاء، سريع البديهة، ذا فطنة عظيمة، وكان حريصًا غاية الحرص على تحصيل العلم وشراء الكتب وحملها معه، مهما كلفه ذلك من مشقَّات، أو جَلَبَ لَهُ من متاعب. وعن ذلك يقول ابن حجر في (إنباء الغمر بأبناء العمر): "وقد أكثر المجاورة بالحرمين، وحصل دنيا طائلة وكتبًا نفيسة، لكنه كان كثير التبذير، وكان لا يسافر إلا وصحبته عدة أحمال من الكتب، ويُخرِج أكثرها في كل منزلة ينظر فيها، ويعيدها إذا رحل"، وكان لا ينام حتى يحفظ مائتي سطر.
انه محمد بن يعقوب بن محمد بن ابراهيم بن عمر الشيرازي الامام الهمام قاضي القضاة مجد الدين، أبو الطاهر الفيروزآبادي، ابن شيخ الاسلام سراج الدين يعقوب، كان يرفع نسبه الى أحد أركان مذهب الشافعي ورفعائه صاحب التنبيه والمهذب، ويذكر أن بعد عمر أبا بكر بن أحمد بن أحمد بن فضل الله ابن شيخ أبي اسحاق الشيرازي . ولد قدس الله سره سنة 729 هـــ بكارزين ولم يبين الشهر الذي ولد فيه، ونقل عن الشيخ نصر ابو الوفاء الهوريني رحمه الله انه راي بخط شيخه العلامة نور الدين المقدسي الحنفي رحمه الله أنه وجد بخط والد المجد ما صورته ولد الشيخ الصالح المسعود بالطالع المرفود قرة العين المشهود، وقوة الظهر المشدود، مجد الملة والدين، محمد بن يعقوب ضحوة يوم السبت العشرين من جمادى الاولى وقت طلوع برج السنبلة من جانب الشرق قرب الزوال سنة 729 هـــ .... انتهى بنصه.
نشأ بكازرون، فحفظ القرآن بها وهو ابن سبع، وجوَّد الخط ثم نقل فيها كتابين من كتب اللغة، وانتقل إلى شيراز وهو ابن ثمانٍ، وأخذ اللغة والأدب عن والده ثم عن القوَّام عبد الله بن محمود بن النجم وغيرهما من علماء شيراز، وسَمِع فيها على الشمس أبي عبد الله محمد بن يوسف الأنصاري الزَّرَندي المدني الصحيحَ، بل قرأ عليه جامع الترمذي هناك درسًا بعد درس في شهور سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وارتحل إلى العراق فدخل واسط وقرأ بها القراءات العشر على الشهاب أحمد بن علي الديواني، ثم دخل بغداد في السنة المذكورة فأخذ عن التاج محمد بن السباك، والسراج عمر بن علي القزويني. ومن شيوخه أيضا أنه تفقه ببلاده وغيرها وسمع من ابن القيم، وابن الخباز، والتقي السبكي، والمرداوي، وابن المظفر النابلسي، والعلائي، البياني، الفلانسي، المظفر، والشيخ خليل المالكي وغيرهم الكثير، وقد اعتنى رحمه الله بالحديث جيدا وجد واجتهد في علم اللغة فكان جل قصده في التحصيل فمهر فيه الى أن بهر وفاق من حضر ومن غير.
كانت لرحلته في البلاد للعلم ما لم يكن لغيره حيث دخل الديار الشامية والمصرية، وطاف البلاد الشرقية والشمالية وختم بالأقطار الحجازية، ودخل الهند وما والاه، ثم رجع على طريق اليمن متيمما مكة فتلقاه الملك الأشرف اسمعيل من زبيد وكان ذلك بعد موت الجمال الريمي شارح التنبيه قاضي قضاة اليمن كله وعالمه. وكان يحفظ كل يم أكثر من مائتي سطر ولم يدخل بلداً الا وأكرمه سلطانها كشاه شجاع صاحب تبريز والأشرفين : أشرف مصر وأشرف اليمن وابن عثمان ملك الروم وأحمد بن أويس سلطان لبغداد وغير ذلك من الأقاليم. أخذ عنه العلم الجمال المراكشي والحافظ ابن حجر وناوله القاموس ,اذن له مع المناولة أن يروي عنه جميع ما حرره في الطروس، وكان بينه وبينه محاورات ومكاتبات ومطارحات ومباراة لأنه كان ينظم الدر شعرا ويباهي به النثرة والشعراء. قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب: "كان حافظًا للغة، واسع المعرفة بها". وقال عنه التَّقِيُّ الكِرْمانيُّ: "كان عديم النظير في زمانه، نظمًا ونثرًا بالفارسي والعربي". وقال الخزرجي في (تاريخ اليمن): "إنه لم يزل في ازدياد من علوِّ الجاه والمكانة ونفوذ الشفاعات والأوامر على القضاة في الأمصار". وقال المقري: "هو آخر من مات من الرؤساء الذين انفرد كل منهم بفنٍّ فاق فيه أقرانه على رأس القرن الثامن، وهم: الشيخ سراج الدين البلقيني في الفقه على مذهب الشافعي، والشيخ زين الدين العراقي في الحديث، والشيخ سراج الدين ابن المُلقِّن في كثرة التصانيف وفن الفقه والحديث، والشيخ شمس الدين الفناري في الاطِّلاع على كل العلوم العقلية والنقلية والعربية، والشيخ أبو عبد الله بن عرفة في فقه المالكية بالمغرب، والشيخ مجد الدين الشيرازي (الفيروزآبادي) في اللغة". وقال عنه أيضًا: "كان كثير العلم والاطلاع على المعارف العجيبة، وبالجملة كان آية في الحفظ والاطلاع والتصنيف". وقال عنه الزركلي: "كان مرجع عصره في اللغة والحديث والتفسير".
ولم يزل متمتعا بسمعه وبصره متوقد الذهن حاضر العقل مهيبا معظما في النفوس الى أن توفي قبيل نصف ليلة الثلاثاء 20 شوال 817 هــــ بمدينة زبيد رحمه الله وـاحسن اليه.
ملحوظة: نقلب ونبحث في كل الوسائط للتذكير واستظهار سير أسياد اللغة العربية المطمورة في التاريخ.
ياسين صدوقي
اللغة العربية، علماء العربية ، الفيروزآبادي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة