حاجتنا لتوسيع دائرة علوم الآلة
ذ. يوسف عكراش | youssef aakrach
12/09/2020 القراءات: 3541
لا يختلف اثنان أن من أهم المهام التي يجب على المسلمين القيام بها فهم النصوص الشرعية وتحقيق مقاصدها الدنيوية والاخروية مرتبط أشد الارتباط بمنظومة من الأدوات المتكاملة من علوم الآلة بحيث تكون هذه الآخيرة مطية لإعمال الفكر والنظر في النصوص الشرعية بغية العلم بالمطلوب، فعلوم اللغة مثلا كنحو والصرف والبلاغة فهي علوم كوسيلة وواسطة وطريق لفهم القرآن الكريم والسنة النبوية، وكذلك الحال في علم الأصول وغيره، فهذه الدائرة من العلوم والمعارف تدرس لا لذاتها، إنما لكونها أرضية علمية صالحة لبناء الأحكام و استخراج الحِكَم.
وإن المتأمل لعلوم الآلة قاطبة يلفيها على ضربين:
أولا: علوم آلة ثابتة لا يمكن تجاسر أحد عليها أو إقصاؤها في فهم النصوص الشرعية عامة وهي علوم اللغة العربية وعلوم الأصول وعلوم الحديث.
ثانيا: علوم الآلة نتيجة أسباب وبيئات عاصرها العلماء وعاشوا فيها، أي أن هذه العلوم تحمل في طياتها أسبابا ذات أهمية بالغة حيث علت عرش غيرها ورجح اختيارها لتكون من علوم الالة، فمثلا كانت ثمة حاجة ملحة إلى إتقان علم المنطق نتيجة شيوعه بعد حركات الترجمة، فاختير كعلم المنطق ليكون ضمن علوم الآلة ، كذلك الحال مع الفلسفة حيث كان إتقان الفلسفة شرطا مهما للحديث عن علم الكلام لحماية الدين في بادئ الأمر.
بكلام آخر مفهوم أكثر من سابقه نقول بأن هناك علوم ضمن علوم الآلة كان نتيجة لسد الحاجة العلمية الماسة، وهذا يعني بأن علوم الآلة تتغير وتتسع دائرتها تبعا للحاجة الملحة بحسب الزمان، فالنحو الذي لم يكن هناك من حاجة إليه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وفي عصر صحابته رضوان الله عليهم أصبح ملحا في النصف الأول من القرن الأول بل أصبح مستحيلا الاستغناء عنه أبدا.
و تنزيلا لم تقدم من الكلام حول توسيع رقعة علوم الآلة فقد شهد عصرنا الحديث مجموعة من التطورات والمستجدات المهمة جدا لم يُسبق لها في مجالات عدة كالعلوم الإنسانية والعلمية وتداخلاتها اللامتناهية مع العلوم الاسلامية، وعليه لا بد من مراجعة شاملة لمنظومة علوم الآلة لنعرف أيها الثابت أبدا كاللغة العربية والأصول والحديث، ولنعرف أيضا أيها متغير حتى نتمكن من توسيع البناء لمنظومة متكاملة من علوم الآلة التي ستحدث قفزة متميزة ونوعية في مجال التعامل مع النصوص الشرعية لطلب العلم فضلا عن العلماء.
وإن الذاكرة العلوم التي يتميز بها العالم الإسلامي اليوم هي نتاج تراكم هائل وطويل من خبرات البشرية على مر آلاف السنين، وهي بالتالي تراكم معرفي ضخم لا يجوز غض الطرف عنه أو الاستهانة به، ولعل توسيع دائرة علوم الآلة في مدارسنا الاسلامية وفي كليات الشرعية كفيل بضمان نقلة نوعية ومتميزة في طريقة التعاطي مع النصوص الشرعية وما شوهد من توسع في الاجتهادات وظهور علوم جديد واختصاصات كثيرة إلا نتيجة تغيير طفيف في وجزئي علوم الألة. فمثلا فقه الواقع، وفقه التنزيل، وعلم الاقتصاد الاسلامي، هي نوع من الاستجابة لعصر تطور فيه علم الاقتصاد وأصبح المحرك الأساسي للحياة.
أما من ينفي هذا التوسع الذي يطلب تغير عامل البيئة والزمان فنقول له:
إذا كانت جهود علماء الأمة قد أحكمت الطرق والوسائل الموصلة الى مقصد النص الشرعي بما لا يدع حاجة إليه اليوم، فإن الاشتغال به اليوم تضييع للجهد والوقت. ويبقى مجال فهم النص الشرعي -على ما بُذل من جهد فيه- ولا يحتاج لتوسعة بما يناسب حاجة المسلمين اليوم، لأن كثيرا من الغيورين على الإسلام أوتي من جهة طرق فهم النص الديني لا من جهة التطبيق. ولذلك فإن توسيع دائرة العلوم الآلة الموصلة لفهم النص الشرعي أمر مطلوب.
علوم الآلة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع