مدونة محمد كريم الساعدي


الاحتفالات الكولونيالية وتأثير عروض الشارع في المخرجين الغربيين / الجزء الثاني

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


17/05/2024 القراءات: 322  


أما على مستوى الجمهور الغربي عامة والفرنسي خاصة فإن هذه العروض التي تقدم في الساحات العامة تعدّ فرصة مهمة للتفاعل مع التراث العالمي لكن على وفق النظرة المتعالية ، أي أن " العامل الفعّال بالنسبة لهذه الطقوس داخل سياقها الأصلي هي الألفة الشديدة معها ، وهي ألفة ترسخت منذ زمن بعيد ، أما بالنسبة الى جمهور باريس(...) فالقوة والفعالية التخيلية لهذه الطقوس ترتبط أكثر بغرابتها وعدم تقليديتها " (5) ، وهذا ما فرض متغيرات أخرى تدخل في تشكيل الوعي البصري على المشاهدين لهذه العروض التي تقدم أمامهم في الشوارع الفرنسية كاستعراضات تحمل في طياتها التباين المعرفي بين الأصل داخل السياق ذاته ، وبين غرابتها في واقعها الكولونيالي الجديد.
إنَّ هذه التجربة لم تقتصر على (آرتو) فقط في هذا السياق الكولونيالي والاستعراضات التي صاحب الشارع الغربي والمقدمة فيه من خلال بعدها الكولونيالي ، بل أن الأمر أستدعى بعض من المخرجين الغربيين أن يسافر إلى مسقط رأس هذه الطقوس الشرقية من أجل المقايضة ، وهذا ما قامت به فرقة (أودين) والمخرج المسرحي (يوجين باربا) التي أعتمدت على تقديم " عروض فرقة (أودين) تياتريت في مراحلها الأولى وفي رحلاتها الخارجية في تقديم الرقصات ؛ وقد تطورت هذه الرقصات فيما بعد لتأخذ شكل العروض الاحتفالية التي تضم أشكالاً فنية تم تجميعها من مناطق محلية مثل الأشكال والرسومات التي تعبر عن الموت في جزيرة بالي . لقد كان الهدف من وراء مسرح الشارع هذا من وراء تجميع متفرجين من كافة فئات الجماعة البشرية التي يعرض داخلها ( والذين سيقومون هم أيضاً بدورهم بأداء عرض ما ) "(6). عملت فرقة (أودين) ومخرجها (باربا) على استثمار ما تحصلوا عليه من خبرات في مجال عروض مسرح الشارع الشرقية وغيرها من الهوامش التي زاروها في رحلاتهم ، التي شاهدوها في أمكنتها الأصلية ، أي استلهام هذه الصور الطقسية المؤداة في موطنها الأصلي في عرض مسرحية المليون التي قدمت عام " 1978: مستقاة من الكاثاكالي والرقصات المكسيكية ورقصات أخرى واعتمدت المسرحية على بقية الثقافات وقدمت على مساحة مستطيلة يحيط بها الجمهور من جانبين واستخدمت الموسيقى بشكل كثير وكذلك الأقنعة التي تمثل شخصيات راقصي البالينييز" (7) ، هذا الخليط غير المتجانس حاول (باربا) تقديمه لإثارة الدهشة عند الجمهور الغربي على الرغم من أن بعض هذه الطقوس الموظفة في العرض لا تتلاءم مع بعضها الآخر ، لكن الجمهور الجديد لا يعي هذا ، وهو يركز فقط على غرابتها المتأتية من شكل الرقصات الطقسية المصاحبة للصورة الجديدة الموظفّة فيها ، وهذا النوع من العروض المسرحية هي من جعلت توظيف هذه الطقوس البعيدة عن دلالاتها عامل مؤثر في الجمهور الجديد .
إنَّ العروض المقدمة في بُعدها الكولونيالي شكلّت غايات معينة قدمت في عروض مسرح الشارع من قبل المخرجين الغربيين والتي تلقاها الجمهور الغربي بشكل مغاير عن العروض التقليدية في المسارح وصالات العرض الغربية ، وهذه الغايات هي :
1. العروض المقدمة في بُعدها الكولونيالي من خلال الاحتفالات الكولونيالية الغاية منها هو تجميع أكبر تراث ثقافي عالمي في الشوارع الغربية لإثبات السيطرة الثقافية على هذا التراث وجلبه في أي وقت ممكن من أجل المشاهدة والاستمتاع من قبل الجمهور الغربي .
2. إنّ هذه العروض المُقدّمة في سياق عروض الشارع على الرغم من أنها مأخوذة في سياق آخر غير سياقها الأصلي ، إلا أن تأثيرها كان له غايات مهمة وأدوار في إيجاد متغيرات فنية جديدة داخل المنظومة المسرحية الغربية .
3. إعادة تقديم هذه الطقوس في سياق مسرح شارع على وفق النظرة الغربية ومنظومتها من أجل أن يكون لحضورها دور محفز في خلق الغرابة لدى الجمهور الغربي المتابع لهذه الطقوس الموظفة في داخل الدراما الغربية ذاتها .
الهوامش
1. ينظر : باسكاله جوتشيل ، وايمانويل لواييه : تاريخ فرنسا الثقافي ، ترجمة : مصطفى ماهر ، القاهرة : المركز القومي للترجمة ، 2011، ص 169.
2. ينظر : مارتن أيسلن : انتونان أرتو ، الرجل وأعماله ، ترجمة : سعيد أحمد الحكيم ، بغداد : دار الشؤون الثقافية العامة ، 2001 ، ص 241، 247.
3. كريستوفر أينز : المسرح الطليعي ، ترجمة : سامح فكري ، القاهرة : مطابع المجلس الأعلى للآثار ، ب، ت . ص35.
4. المصدر نفسه ، ص34.
5. المصدر نفسه، ص 36.
6. المصدر نفسه ، ص 327.
7. د سامي عبد الحميد : قديم المسرح جديده وجديد المسرح قديمه ، بغداد : إصدارات مهرجان بغداد لمسرح الشباب / الدورة الأولى ، 2012، ص108.


الكولونيالية مسرح الشارع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع