تجديد الدين وفقه المراحل عند فريد الانصاري
الدكتور محمد ايت عدي | Dr MOHAMMED AIT ADDI
24/10/2020 القراءات: 2186
تجديد الدين:
إن تجديد الدين الذي تحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» كما يراه فريد الأنصاري رحمه الله راجع إلى تجديد الوجدان الديني لدى المسلمين أكثر مما هو راجع إلى تجديد قضاياه، وتجديد الوجدان هو تجديد الإحساس بالمفاهيم الدينية على مستوى الوجدان أو القلب مما يرسخ الشعور بالانتماء للإسلام حقا، وبذلك يكون مشروع التجديد أكثر قابلية للتوغل في البنية الاجتماعية للمجتمع، وهذا في حد ذاته حسب الأنصاري أكبر الحصون في بناء الذات من جديد وحفظها من ريح العولمة الشاملة التي لن تواجهها تنظيمات محدودة في المجتمع، وإنما يمكن لها أن تواجهها فعلا إن أدركت طبيعة المعركة وموقعها هي منها بالضبط، وذلك بأن تتخندق مع التدين من حيث هو تدين وتحارب من خلال الشعب لا من خلال ذاتها، لأن الدخول إلى المعركة بشكل تنظيمي فردي لا شعبي يعني فرض العزلة الذاتية على التنظيم اجتماعيا ومؤسسيا فتخسر الدعوة الإسلامية معركتها الحقيقية. ومكمن الخلل أنه كم من مدرك ذهني غير مدرك بالوجدان، لأن من أهم أسباب الإقبال على الدين أو الإدبار عنه الإحساس بالربوبية، وإحساس الناس اليوم بمخلوقيتهم ضعيف جدا، وهذا هو أساس الدعوة إلى الله، وهو المقصد الأساس من التجديد الديني ليعود الناس إلى سرب العابدين.
لكن من تلبيس إبليس على بعض الدعاة المنتمين إلى جماعات منظمة هو أنهم يدعون إلى الانخراط في عملهم التنظيمي على أنه دعوة إلى الله، قال تعالى: ﭐ ﴿ﭐ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ (الأنعام: 162 – 163)، وقال إنني من المسلمين على سبيل الاندماج في المجتمع بصلاحه الذي انتصب به داعيا إلى الله لا أن يتميز بخروجه أو تكفيره أو تجهليه بل يتميز بتواضعه ومشاركته للأمة في الحق وإعانته لها على دفع الباطل، ومن هنا يكون الداعية إلى الله إنما يقود المجتمع من داخله لا من خارجه.
ومن المفاهيم التي وقع حولها جدل كبير مصطلح:
فقه المراحل:
وهو من المفاهيم التي يدور حولها جدل بين الإسلاميين، بين متبن لها على ظاهريتها الحرفية، ومنكر لها جملة وتفصيلا، والأنصاري رحم الله يرى:" أن مشكل لا يكمن هنا، إنما محله في فقه تحقيق مناطاتها، لأن المرحلية ليست فقها لأحكام الشريعة وإنما هي فقه لأحكام الدعوة، والخلط بينهما ضرب من التيه".
ويرى:" أن أولى الأولويات الدعوية للمشروع الإسلامي المعاصر إنما هو الدعوة الأخلاقية بالمعنى التعبدي الشامل لكلمة أخلاق، انطلاقا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» ، حتى أنه صلى الله عليه وسلم أناط الأفضلية الإيمانية بها، قال صلى الله عليه وسلم:" أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ إِيمَانًا؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ أَخْلَاقًا» ".
والمصيبة الأخطر هي تقويض صرح الشعور الديني لدى الشعوب الإسلامية بضرب البنية الخلقية التحتية التي هي أساس قيام الأسرة المسلمة، فإذا تخلت الأسرة المسلمة عن وظيفتها الدعوية التلقائية، ومارست نقيض ذلك بإشاعة التحلل الخلقي وتنشئة الجيل عليه فلن يكون مآله إلا احتقار السلوك الديني والاستهانة بأي خطاب يحمل قيما دينية، ومن هنا يكون الحصار الحقيقي للمشروع الدعوي الإسلامي، لأن تعرض المجتمع بدأ من نواته إلى التضليل الخلقي والاستغراق في الشهوات والغرائز فإن الآذان حينئذ لن تكون مولية أي اهتمام للدين وأهله. فأولى الأولويات هي حماية العاطفة الدينية الأصيلة من الضرب البنيوي الخلقي الذي يمارسه الإعلام، مستهدفا الأسرة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إشاعة الفاحشة في الذين ءامنوا، وتلك هي علامة الانهيار الشامل للمجتمع.
والدكتور فريد الأنصاري رحمه الله ينطلق في مشروعه الإصلاحي من التحذير من تكرار التجربة الخاسرة التي تنطلق من تدين المؤسسات قبل العمل على تدين الأفراد، وإلى تدين السياسة بغض النظر عن تدين أهلها.
ويؤكد رحمه الله:" أن الأحكام الشرعية لا تتحقق في الواقع إلا بفقه دقيق هو علم تحقيق المناط، أي معرفة طبيعة المحل الذي يجب أن يتنزل عليه الحكم الشرعي، ومن هنا كان تطبيق الأحكام الدعوية رهينا بمعرفة تحقيق مناطاتها أيضا... وفقه تحقيق المناطات الدعوية في الحقيقة هو الوعي السياسي والفقه السياسي الكفيل بجعل الحركة الإسلامية على وعي دقيق وشامل بالزمان وأهله إقليميا وعالميا، فيتخذ الخطوة المناسبة في الوقت المناسب والمحل المناسب".
ففقه المراحل أو فقه التدرج هل هو فقه متعلق بالأحكام الشرعية؟ أم بالدعوة الدينية؟ لأن تنزيل الأحكام الشرعية متعلق بتحقيق مناطاتها، وبتغير المناط يتغير الحكم، لذا ففقه المراحل ليس محله الأحكام الشرعية. إنما محله الدعوة الإسلامية، وهنا تكمن مركزية التربية الروحية في فقه المراحل، فعلى كاهل الدعوة الإسلامية المعاصرة تقع مسؤولية التربية الروحية والدعوة الأخلاقية. وأن ساحة المعركة الحقيقية هي تدين الإنسان الذي يجب أن ترسخ في وجدانه القيم الدينية والمفاهيم التعبدية.
فهذا الفقه هو الذي يحدد أولوية العمل الدعوي، هل هو تدين المؤسسات أم تدين الأفراد؟ هل هو تدين السياسة أم تدين أفرادها؟
وهذا يحتاج إلى قيادة عاقلة حكيمة، فالعاقل يبلغ بحيلته ما لا يبلغه بالخيل والجنود، والحكيم من تفزعه النوائب وتؤدبه التجارب.
فريد الأنصاري - مشروع - الإصلاح - تجديد الدين - فقه المراحل - العمران - القرءان - الحركة الإسلامية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف