مدونة صلاح عبدالسلام قاسم الهيجمي
نحو فهم لغوي يجيب عن ماهية اللسانيات
صلاح الهيجمي | Salah Abdulsalam Qassim Alhaigami
10/06/2020 القراءات: 3676
الأستاذ/ صلاح عبدالسلام قاسم الهيجمي
رقم معرف أريد: 0001-9651 arid.my/
سؤال رئيس يقفز إلى أذهان مبتدئي دراسة اللغة العربية: ما اللسانيات؟ ويحاولون معرفة ذلك بالغوص في عدد من التعريفات، وقد يصلون إلى طريق زئبقي تتشابك فيه الرؤى وتتعدد الاتجاهات، بحكم مركبهم الزلوق الذي لم يعرف بعد الطريق السوي وتعرجاتها، ويزيد ذلك تعقيدًا تعجب غير المتخصصين من هذه التسمية، وعدم فهمهم المراد من هذا العلم، وتنتابهم موجات من الأسئلة الفرعية الأخرى: لم أطلقت عليه هذه التسمية وهناك كلمات عربية أخرى أشد وضوحًا، وما طبيعة اللسانيات؟ وكيف نشأت؟ وهل لديها فروع أخرى أم لا؟.
وتبسيطًا للإجابة عن السؤال الرئيس، والأسئلة الفرعية حاولت جاهدًا في هذه المقالة العلمية الاستفادة من بعض المراجع، ووجدت أبسط كتاب لساني للمبتدئين يذكر ذلك كتاب (مدخل إلى اللسانيات، 2004م) لمؤلفه الدكتور/ محمد يونس علي، فحاولت تلخيص الإجابات عن تلك الأسئلة منه، وذكرت بعض الإضافات؛ لكي يستقيم النص ونصل إلى الشاطئ بفهم لغوي متماسك وسهل على النحو الآتي...
تُعرّف اللسانيات (Linguistics) في أبسط تعريفاتها بأنها "الدراسة العلمية للغة"، وغلبت عليها هذه التسمية دون أخواتها "علم اللغة" أو "الألسنية" وغيرهما تمييزًا لها عن الجهود الفردية والخواطر والملاحظات التي كان يقوم بها المهتمون باللغة عبر العصور، وكل تلك التسميات تؤدي الغرض نفسه.
وطبيعتها أنها علم يجمع بين اللغة وخصائص العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية بواسطة مناهج متبعة فيها، ويعدها آخرون فرعًا من فروع علم العلامات.
أما من حيث النشأة فقد مارسها النحاة العرب قديمًا لكن لم تظهر لديهم بأنها علم له أسسه وقواعده، ويرى بعض المؤرخين أن نشأة اللسانيات بدأت عند الغرب وبالذات في القرن الثامن عشر على يد وليم جونز.
وتطورت أكثر في القرن العشرين؛ عندما جاء العالم اللغوي السويسري فرديناند دو سوسور، ت "1914م"، وأخذ البحث اللغوي عنده طابعًا علميًا، ولقّب حينها بأبي اللسانيات الحديثة، ولكن حال موته دون نشر أعماله، فجاء زميلاه تشارلز بالي، وألبرت شيشهيه، وجمعا أعماله ونشراها في كتاب (محاضرات في اللسانيات العامة)، وفيه أن موضوع اللسانيات هو اللغة في ذاتها ولذاتها، ثم ظهر الأمريكي فرانس بواز، وأرسى دعائم المنهج الوصفي في اللغة في كتابه (دليل اللغات الأمريكية الهندية). ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل جاء اللساني الأمريكي ليونارد بلومفليد ت"1949م" متبعًا منهج المدرسة السلوكية في دراسة الظواهر اللغوية.
ولما جاء ناعوم تشومسكي انتقد المنهج السلوكي نقدًا حادًا لعدم إيفائه بالغرض، واهتم حينها بأسس النظام اللغوي الذي يفسر قدرة المتكلم على استخدام عدد غير محدود من الجمل اعتمادًا على عدد محدود من الأسس والقواعد اللغوية كالاستبطان (التأمل الباطني/الداخلي للشعور) والحدس، ولكن مؤخرًا خفتت آراء تشومسكي بظهور علم جديد يفسره الغربيون بعلم الاستعمال، وهو ما يُطلق عليه بعلم التخاطب، ويترجمه آخرون بالذرائعية أو التداولية أو النفعية، وعلماؤه كثر مثل "أوستن، وسيرل، وغرايس"، وغيرهم، ويعتمد هذا العلم على السياق والعناصر الخارجية كالمخاطِب والمخاطَب والخبرات السابقة وعناصر المقام التخاطبي والقدرة على الاستنتاج للوصول إلى الفهم السليم وبلوغ التخاطب الناجح والمؤثر.
وأما من حيث الفروع أم لا فقد ظهرت للسانيات فروع كثيرة لخصها يونس بخمسة فروع:
- اللسانيات العامة واللسانيات الوصفية.
- اللسانيات التاريخية.
- اللسانيات النظرية واللسانيات التطبيقية، وفروع علوم الأولى: الأصوات، والصياتة" صوت مرتبط بدلالة"، والتصريف، والتراكيب، والدلالة، والتخاطب. ومن اهتمامات الثانية: التخطيط اللغوي، واللسانيات الحاسوبية، والذكاء الاصطناعي... وغيرها.
- اللسانيات المضيّقة واللسانيات الموسعة، ومن فروعها (اللسانيات: الاجتماعية، والثقافية، والنفسية)، وعلم الأسلوبية.
وخلاصة القول: تسمية اللسانيات تسمية غربية، والتساؤل عن ماهيتها قد يوقع في شرك التيه، ويثير التعجب والدهشة بعدم وجود مصطلح عربي يقوم مقام هذا المصطلح، ومع ذلك فُضل مصطلح (اللسانيات) على غيره من المصطلحات، تمييزًا له عن غيره من جهود المهتمين الآخرين عبر العصور، وربما جاء للاختصار، ولانطلاقه من اللغة التي يتحدث بها عضو اللسان، وكأن اللسانيات مشتقة من اللسان، وصاحبها لساني، وزادت فيها اللاحقة (ات) مثلها مثل التسميات الأخرى للغربيين نحو: العرفانيات، والسيميائيات، والإيديولوجيات وغيرها، ولذلك لا حرج في تفضيل مصطلح "اللسانيات" على غيره، بوصفه علمًا حديثًا جاءت تسميته من الغرب، وعمل على دراسة اللغة دراسة علمية بواسطة عدد من المناهج العلمية والفروع اللسانية المتعددة والتي مازالت تتطور باستمرار.
اللسانيات، اللغة.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سرني ماقرأته هنا أستاذ صلاح، من تبسسيط وتوضيح معا، ولأنه عبارة عن مقال، قصر عن عرض المصادر التي تمنيت الوصول إليها. شكرا لكم. يسعدنا مروركم. https://portal.arid.my/ar-LY/Posts/Details?id=4de4baa7-ba2f-46a9-b26e-854139a5b0d1
شكرا لك د. ريمه عبدالإله الخاني على المرور الطيب والمبارك... ذكرت في بداية المقال أن أبسط كتاب لمعرفة اللسانيات للمبتدئين - حسب علمي - هو (مدخل إلى اللسانيات، 2004م) لمؤلفه الدكتور/ محمد يونس علي.